ترك برس

أكد النائب السابق في حزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا ياسين أقطاي، أنه بعد إلغاء الخلافة عانى المسلمون في جميع أنحاء العالم من ويلات الاحتلال والاستغلال والفقر والبؤس والحروب، بعد أن فقدوا أي دعم يمكنهم الاعتماد عليه، وتساءل عما إذا كان بإمكان بلاده استعادة الخلافة بمشاركة وتعاون مسلمي العالم.

وقال أقطاي إن أهل غزة مازالوا يعانون من جحيم الإبادة الجماعية الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، "فقد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية كلها أمام أعين العالم طوال أكثر من خمسة أشهر. وهي في تلك المجازر تهدم كل قيم الإنسانية، ولا تهتم بأي أحد، ثقة منها بعدم وجود أي قوة يمكن أن تقف ضدها".

وأضاف في مقال بموقع الجزيرة مباشر: "هنا يحضرنا ما ذكره الفيلسوف والمفكر المصري الراحل الأستاذ عبد الوهاب المسيري الذي تحدث عن دعم أمريكا المطلق لإسرائيل، والتقاعس التام من الدول العربية الإسلامية فيما يتعلق بفلسطين والفلسطينيين..

وربما يمكننا فهم دوافع الدعم غير المحدود من أمريكا التي تفعل ما يتماشى مع مصالحها، فهي لا شك شريك فاعل فيما تقوم به قوات الاحتلال من جرائم الإبادة الجماعية. لكن الصمت المخزي من العالم العربي الإسلامي أمر غير مبرر، ولا بد من الوقوف أمامه ودراسته بدقة".

وقال: "الحقيقة أننا أمام نقص وعجز صارخ في الإرادة والمبادرة اللازمتين للعالم الإسلامي والعربي ليتدخل كفاعل مسلم في الشؤون الدولية التي تهم المسلمين. ولأن ما يحدث في غزة من عنف فجّ وإبادة جماعية ليس في حق الفلسطينيين فحسب، تكون الهجمات إهانة لجميع العرب والمسلمين. وهنا من المناسب طرح هذا السؤال المخيب للآمال: ألا يستطيع 300 مليون عربي أو مليارَا مسلم أن يفعلوا شيئًا في مواجهة 6 أو7 ملايين إسرائيلي؟!

ومع الأسف فإنه من الواضح جدًّا سبب عدم تمكنهم من القيام بذلك، ومن الضروري أن نعرف الظروف التاريخية التي دفعتهم إلى ذلك. فاليوم لا توجد دولة إسلامية تأخذ زمام المبادرة على الساحة الدولية في أي قضية تتعلق بالمسلمين، ولهذا فإن كل المسلمين يعانون من كل المشاكل التي تصيبهم فقط لأنهم مسلمون. وبالطبع ترتبط هذه المسألة بإلغاء الخلافة والوحدة السياسية للمسلمين في العالم قبل مئة عام بالضبط".

وتابع المقال:

بعد 4 أشهر فقط من تأسيس الجمهورية التركية في 3 مارس/آذار 1924م، اتخذت تركيا منفردة قرار إلغاء الخلافة المؤسسة السياسية التي كانت تجعل تركيا مسؤولة عن العالم الإسلامي بأسره، وكذلك كانت تجد الاهتمام الشديد من جميع المسلمين في العالم. ورغم أن إلغاء الخلافة كان مجرد خطوة في سياق عملية العلمنة والمعاصرة التي مرت بها تركيا، فإنه كان قرارًا له ظلاله على جميع مسلمي العالم. ومن ناحية أخرى فإنه رغم تسويق هذا القرار على أنه ثورة أو انتصار لتركيا، فإنه تزامن مع تراجُع نفوذها وقوتها على الساحة الدولية. فقد مثَّل هذا القرار مرحلة ضعف الدولة العثمانية وانهيارها.

ومع ذلك، فإن تركيا قد حصلت على كثير من المساعدات والدعم الفعلي والمادي من جميع مناطق نفوذ الخلافة خلال حرب الاستقلال التي خاضتها -إلى حد كبير- بدعم من كل الأناضول والعالم الإسلامي بأسره بدافع إنقاذ الوطن الإسلامي ووحدته. وفي هذا السياق فإن قصة الأموال التي أرسلها المسلمون الهنود لإنقاذ الخلافة معروفة للجميع. فإلغاء تركيا للخلافة من جانب واحد، مهما كان ما يعنيه بالنسبة لتركيا، أدى إلى تفكك الوحدة التي كانت تمثل تركيا قلبها، وتسبب في انعدام القيادة الممثلة لمسلمي العالم.

وفي الأحداث التي سبقت إلغاء الخلافة وما أحاط بها من تصورات سلبية وتراكمات محبطة ومناقشات حول ما إذا كان للخلافة معنى ديني، وما إذا كانت تؤدي وظيفتها، فإن العلماء المسلمين الذين أثاروا ذلك ووجهوا هذه الانتقادات لم يكن في حساباتهم خيار إلغاء الخلافة، بل كانوا يسعون إلى مراجعتها وإصلاحها بما يتماشى مع متطلبات العصر.

والحقيقة أنه بعد اتخاذ القرار بإلغائها لم يبق أي كيان سياسي لتمثيل جميع مسلمي العالم، وإدراك التهديدات والهجمات واتخاذ الاحتياطات نيابة عنهم. وبعبارة أخرى، فإن تركيا -بهذا القرار- لم تقرر السير منفردة في طريقها الخاص فحسب، بل إنها دمرت الظروف التي ضمنت الوحدة السياسية للعالم الإسلامي بأكمله.

والآن وفي ظل ظروف اليوم، هل يمكن لتركيا التي أخذت هذا القرار قديمًا على أساس أن الخلافة صارت عبئًا عليها، أن تعمد إلى أسلوب يخولها الوصول إلى سلطة تمكنها من استعادة الخلافة بمشاركة وتعاون مسلمي العالم؟ فقد كان لإلغاء الخلافة عواقب وخيمة ليس فقط على تركيا ولكن أيضًا على العالم الإسلامي بأسره.

فبعد إلغاء الخلافة عانى المسلمون في جميع أنحاء العالم من ويلات الاحتلال والاستغلال والفقر والبؤس والحروب، بعد أن فقدوا أي دعم يمكنهم الاعتماد عليه. وهكذا عاش المسلمون قرنًا كاملًا دون أن يكون لهم أي تمثيل سياسي بين أصحاب الديانات الأخرى الذين يحظون بتمثيل سياسي فعَّال.

وطوال هذا القرن شعرت الدول الإسلامية بالحاجة إلى الوحدة للرد على الهجمات التي يتعرض لها المسلمون فقط لأنهم مسلمون. وانبثق عن ذلك الشعور تأسيس المؤتمر الإسلامي الذي انعقد تحت قيادة الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية عام 1969 لضمان الوحدة السياسية للمسلمين، وخاصة في مواجهة الهجوم على المسجد الأقصى؛ لتكون منظمة تملأ -ولو بشكل جزئي- الفراغ الناجم عن غياب الخلافة. ورغم تحوُّل ذلك المؤتمر إلى منظمة التعاون الإسلامي، فلا يزال المسلمون الذين يبلغ عددهم ملياري نسمة، يشاهدون على استحياء المذابح والإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة على أيدي إسرائيل المحتلة التي لا يتجاوز عدد سكانها 6 ملايين نسمة. فبغض النظر عن مدى شعور الشعوب بالظلم والألم والعار من هذه المعاناة، فإن الدول لا تبدي أي اهتمام يُذكَر، فلا يوجد بلد إسلامي أو أي هيئة سياسية من الهيئات الـ57 تتصدى لتلك الهجمات أو تتألم لما يحدث للمسلمين رجالًا ونساءً وأطفالًا.

واليوم في الذكرى المئوية لإلغاء الخلافة، نحتاج إلى التركيز على هذه المشكلة؛ لنعرف المستفيد الحقيقي من تفرق المسلمين، والمستفيد من حرمان المسلمين من هيئة سياسية تمثلهم.

والخلاصة أنه علينا إعادة التفكير في العقلية التي ترى الانتصار أو الثورة في التخلي عن التمثيل الدولي وما يعنيه من القوة والنفوذ والقيادة الأممية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!