د. أحمد أويصال - الشرق القطرية

من المتوقع أن يتسبب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في إحداث بعض التغييرات الجيوسياسية حول العالم. وسيركز على وقف تقدم الصين اقتصاديًا وسياسيًا باعتبارها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية حول العالم. وقد حاول الرئيس أوباما تحويل انتباه الولايات المتحدة الأمريكية إلى آسيا بفكرة محور آسيا في عام 2011 بعد أن تجاوز الاقتصاد الصيني ألمانيا في عام 2009 واليابان في عام 2010. ومنذ ذلك الحين لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف الصين. فوفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني اليوم 18.3 تريليون دولار بينما يظل الناتج المحلي الإجمالي الألماني والياباني 4.7 و4.1 تريليون دولار على التوالي، وهو ما يتجاوز نصف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي البالغ 29.2 تريليون دولار.

خلال ولايته الأولى، حاول دونالد ترامب الحد من التوسع الاقتصادي الصيني من خلال فرض رسوم جمركية إضافية وعقوبات مثل تلك المتعلقة بتكنولوجيا الجيل الخامس 5G، ومع ذلك، لم تكلل جهوده بالنجاح، خاصة مع تولي جو بايدن الرئاسة، حيث وجه اهتمامه نحو مواجهة روسيا وخفف من الضغوط المفروضة على الصين. في ولاية جديدة، يُتوقع أن يعيد ترامب تفعيل سياسته «أمريكا أولاً»، مع تركيز مكثف على مواجهة الصين على عدة أصعدة، تشمل الاقتصاد والدبلوماسية والجغرافيا السياسية. كما أن منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا قد تشهدان تنافساً أمريكياً - صينياً حاداً، نظراً لأهميتهما الاستراتيجية وثرائهما بالموارد الطبيعية والبشرية.

في هذا المقال، سنركز على الصراع الأمريكي الصيني على أفريقيا في المجالات الاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية. فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة تراجع نفوذ فرنسا في أفريقيا مع ارتفاع الأصوات ضد المستعمر السابق في بلدان مثل تشاد ومالي وبوركينا فاسو. وفي السياق ذاته، تحاول روسيا، التي تواجه الغرب في حربها بأوكرانيا، استغلال هذا الفراغ لتعزيز وجودها في تلك البلدان. أما الولايات المتحدة، فتتعامل مع هذا التطور بموقف مزدوج؛ فمن جهة، تشعر بالقلق من استبدال حليف في الناتو (فرنسا) بخصم استراتيجي (روسيا). ومن جهة أخرى، ترى أن ضعف النفوذ الفرنسي قد يفتح أمامها فرصاً جديدة لتحقيق مكاسب في مستعمرات فرنسا السابقة، مما يعكس تعقيد التنافس الدولي على أفريقيا.

في العقود الأخيرة، كان تأثير الصين واضحاً بشكل كبير في القارة السمراء، حيث استثمرت في مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والسكك الحديدية والطرق كجزء من مبادرة الحزام والطريق. كما تعتمد الصين على المواد الخام الأفريقية لتغذية اقتصادها. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الصين قروضاً منخفضة الفائدة لتحصل مقابلها على عقود مميزة في الدول الأفريقية. وعندما تعجز الحكومات عن سداد هذه القروض، تحصل الشركات الصينية على عقود إضافية، مما يؤدي إلى تراكم الديون على تلك الدول. أما استراتيجية الولايات المتحدة، فهي أقل عدوانية مقارنة بالصين، إذ تركز على تقديم المساعدات الخارجية وتشجيع الشركات الأمريكية على ممارسة الأعمال التجارية في أفريقيا.

هناك جدل قديم مفاده أن الحل لفقر أفريقيا لا يكمن في المساعدات، بل في التجارة، مما يدعو الدول الغربية إلى تسهيل التجارة مع أفريقيا. وقد تعرضت سياسة المساعدات الخارجية لانتقادات بسبب تدميرها لبعض القطاعات الهشة بالفعل ودعمها للأنظمة الفاشلة في أفريقيا. كما تواجه الصين انتقادات لإغراقها الدول الأفريقية في فخ الديون. بالطبع، الصين والولايات المتحدة ليستا وحدهما في هذا التنافس، حيث تشارك قوى أخرى مثل المملكة المتحدة وألمانيا والهند وتركيا أيضاً في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أفريقيا.

على المستوى السياسي، تحظى أصوات الدول الأفريقية الـ 54 في الأمم المتحدة بأهمية كبيرة لدى العديد من القوى العالمية. وأصبحت هذه الأصوات حاسمة في قضايا مثل التصويت بشأن الحرب في أوكرانيا، إدانة إسرائيل، أو الاعتراف بتايوان. تسعى الولايات المتحدة لتقديم نفسها كمدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وتربط مساعداتها بشروط سياسية محددة. في المقابل، تقدم الصين مساعداتها وقروضها دون فرض شروط سياسية، مما يقلل من تأثير تلك الشروط الديمقراطية الغربية. ومع ذلك، لم تؤدِ هذه الشروط الغربية إلى تحسين أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان في أي دولة أفريقية.

أما من الناحية الأمنية، نجد أن هناك تنافسا بين الصين والولايات المتحدة على تعزيز نفوذهما في أفريقيا. إذ تمتلك الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي، بينما تلعب القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) دوراً بارزاً في القارة تحت مظلة مكافحة الإرهاب. في الوقت نفسه، تواصل روسيا تعزيز وجودها في أفريقيا من خلال قوات فاغنر، بالإضافة إلى تعاونها مع حلفاء جدد وقدامى يشترون الأسلحة الروسية مثل الجزائر ومصر ودول الساحل. ومن المتوقع أن تسعى إدارة ترامب الجديدة إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا على حساب فرنسا، بهدف زيادة الضغط على المصالح الصينية في أفريقيا. وكما يقول المثل الأفريقي: «عندما تتصارع الفيلة، فإن العشب هو الذي يُداس».

عن الكاتب

د. أحمد أويصال

مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس