جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، انقلبت الكثير من دول العالم عليها وحاولت الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فرض حظر دولي عليها ومنع التعامل الاقتصادي والسياسي معها. في تلك الفترة رفضت تركيا فكرة الحصار الدولي، على الرغم من وجودها في القطب الرأسمالي، ورأت أن الحصار الدولي سيزيد من تعصب الثورة الإيرانية وتعنتها ولذلك دعت إلى سلوك طرق أكثر اعتدالًا في التعامل مع الثورة والقائمين عليها.

ولكن على صعيد آخر لم تدعم  تركيا الثورة بشكل مباشر ولم تُعِد ربط علاقتها السياسية بإيران "الثورة" على الفور، بل انتظرت إلى أن تهدأ الأمور وتستقر. انتظرت تركيا لمدة 6 سنوات حتى إعادة علاقتها مع إيران، ويجب أن لا ننسى بأن الانقلاب العسكري "العلماني" الذي نُفذ عام 1980 كان له دورٌ كبير في تأخير إعادة تأسيس العلاقات التركية مع إيران "الثورة".

بعد الانقلاب العسكري، تولى مقاليد الحكم في تركيا حزب الوطن الأم بقيادة تورغوت أوزال. كان أوزال رجلًا ذي طابع اقتصادي ليبرالي، وحسب السياسة الاقتصادية الليبرالية، يكون تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول سابقًا لتطوير العلاقات السياسية، حتى يكون هناك نوع من الترابط الاقتصادي بين الدول، هذا الترابط الاقتصادي سيضطر مع تطوره الدول إلى تأسيس علاقات سياسية قوية لإدامة الفائدة الناتجة عن العلاقات الاقتصادية القوية.

هذا ما فعله بالضبط تورغوت أوزال، حيث قام في عام 1985 بإرسال وزير خارجيته في ذلك العهد حكمت تشاتين وطلب منه تأسيس منظمة اتحاد اقتصادية تجمع تركيا وإيران وبعض الدول المجاورة، وبالفعل نجح تشاتين بإقناع إيران بتأسيس منظمة اتحاد اقتصادي. وفي عام 1985 تم توقيع اتفاقية المنظمة الاتحادية الاقتصادية (أكو) بين كل من إيران وتركيا وباكستان.

اليوم وبعد مرور 30 عام على توقيع هذه الاتفاقية تناول الباحث في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" كمال إينات هذه المنظمة وتأثيرها على العلاقات السياسية والاقتصادية بين تركيا وإيران.

يشير إينات في تقريره إلى أنه وحسب تقارير وزارة الاقتصاد التركية فإن منظمة الاتحاد الاقتصادي كان لها تأثير إيجابي وفعال على العلاقات بين إيران وتركيا في فترة التسعينات حيث كان حجم التبادل التجاري بين الدولتين بمقدار 9.9 مليار دولار، ولكن هذا التبادل تراجع في العقد الماضي ليصل إلى أقل من ملياري دولار.

ويُرجع الباحث تراجع تأثير منظمة الاتحاد الاقتصادي في هذه الفترة إلى عدة أسباب أهمها:

ـ الضغط الدولي، وخاصة ضغط الولايات الأمريكية المتحدة، على تركيا لقطع علاقتها الاقتصادية والسياسية مع إيران بعد كشف الغطاء عن برنامج إيران النووي، واضطرار تركيا لتخفيف العلاقات الاقتصادية حتى لا تكون عرضة هي الأخرى لحصار دولي.

ـ على الرغم من القناعة الليبرالية الاقتصادية بأن العلاقات الاقتصادية تكون، بشكل عام، أقوى من العلاقات السياسية وتؤثر عليها بشكل إيجابي، إلا أن هذه النظرية لم تنجح في العلاقات الاقتصادية التي تربط بين تركيا وإيران، والسبب الرئيسي لعدم نجاحها هو أن هناك "مسابقة تنافس سياسي" بين الدولتين في سبيل السيطرة الجيوسياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية على منطقة الشرق الأوسط. فالتنافس السياسي بين الدولتين على قيادة الشرق الأوسط جعل كلًا منهما يخفف من العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بينهما، وجعلهما يتجهان لإقامة علاقات اقتصادية مع دول أخرى حتي لا يقدمان لبعضهما فائدة تقوي واحدًا على حساب الآخر.

ـ الاختلاف الجذري في قضية سوريا واليمن وغيرها من الدول في بلاد الربيع العربي.

وفي ختام تقريره، يؤكد إينات أن تراجع حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين الدولتين من حولي 10 مليارات دولار إلى أقل من ملياري دولار يؤكد على "ركاكة" منظمة الاتحاد الاقتصادي المؤسسة بين الدولتين، فلو نجحت هذه المنظمة في تأسيس علاقات اقتصادية ترابطية تجعل كلا الدولتين تابعتين لبعضهما لاستمرت العلاقات الاقتصادية بشكل قوي وكبير، ولأصبحت هناك سياسات مشتركة أكثر وأكبر بين الدولتين، على حد تعبيره.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!