محمود عثمان - خاص ترك برس

يعيش أكراد سورية – مثل باقي مكونات الشعب السوري - أوضاعاً معيشية صعبة وظروفًا إنسانية قاسية نتيجة المعارك الطاحنة التي يخوضها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ضد تنظيم داعش في المنطقة الشرقية  والشمالية الشرقية من سورية. وقد نجح الحزب - والحق يقال - في تسخير إمكانات التحالف الدولي لصالحه، حيث أمن طيران "التحالف الدولي ضد تنظيم داعش" غطاء جويًا مكنه من إحراز تقدم ملموس على الأرض وساعده على بسط نفوذه على مناطق واسعة لم يكن بمقدوره السيطرة عليها لولا الدعم التام من قبل قوات التحالف. مما جلب للأذهان أسئلة كثيرة حول هذا الحزب. نشأته وتأسيسه وقياداته ومدى تمثيله لأكراد سورية وعلاقته بأطراف الصراع في المعادلة السورية وارتبطاته بالنظام السوري، وعلاقاته  مع دول الجوار تركيا وإيران بشكل خاص، ومشروعه واستراتيجيته وأهدافه وأدواته ووسائله للوصول إلى تحقيق تلك الأهداف.

تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في جبل قنديل بشمال العراق سنة 2003  كفرع سوري لحزب العمال الكردستاني وأصبح المهندس الكيميائي صالح مسلم محمد رئيساً للحزب عام 2010، وأعيد تأكيد زعامته في المؤتمر الاستثنائي الخامس للحزب الذي عقد في 16 حزيران/ يونيو 2012، والذي تم فيه توسيع اللجنة المركزية للحزب، واعتماد القيادة المزدوجة – المعمول بها في قيادة حزب الشعوب الديمقراطي! - بانتخاب آسية عبدالله رئيسًا مشاركًا للحزب.

امتنع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD عن الانضمام إلى أحزاب المعارضة الكردية التي شكّلت المجلس الوطني الكردستاني في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، لكنه لعب دورًا محدودًا كعضو مؤسّس لهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، كما انضم إلى هيئة المعارضة التابعة لحزب العمال الكردستاني المعروفة باسم مجلس شعب غربي كردستان/ روج أوفا، والتي تأسست في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2011.

اعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD موقفًا مناهضا للثورة السورية، حيث قام بالتعاون مع نظام الأسد في قمع المظاهرات السلمية وعمل أعضاؤه شبيحة ضد المتظاهرين السلميين في المناطق التي تسكنها أغلبية كردية. وهو مستمر في هذا النهج إلى يومنا هذا، حيث أعلن رئيسه صالح مسلم منذ يومين عن استعداده للإنضمام إلى جيش بشار الأسد إذا توفرت بعض الشروط.

عارض حزب الاتحاد الديمقراطي PYD سياسات مسعود بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان في العراق المتصالحة مع تركيا، والذي أيد تأسيس المجلس الوطني الكردي. كما وجهت أصابع الاتهام في عملية اغتيال الشهيد مشعل تمّو زعيم تيار المستقبل الكردي إلى ميليشيات هذا الحزب.

في 11 حزيران/ يونيو من عام 2012، وقّع مجلس شعب غربي كردستان اتفاقًا للتعاون مع المجلس الوطني الكردي، وشكّلا "المجلس الأعلى الكردي" المشترك. وألزم اتفاق تكميلي تم توقيعه يوم 1 تموز/ يوليو كلا الجانبين بإنشاء لجان أمنية وقوات دفاع مدنية غير مسلحة لحماية المناطق الكردية. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD لم يلتزم بتلك الاتفاقات بل استمر في مهاجمة المتظاهرين الأكراد، واختطاف أعضاء في أحزاب معارضة كردية أخرى، وإقامة نقاط تفتيش مسلحة على طول الحدود مع تركيا.

وبالرغم من أن برنامجه السياسي ينص على رفض التدخل العسكري الخارجي، ورفض تسليح المعارضة، ودعم الحوار مع النظام، ويطالب بالتعددية الديمقراطية، والاعتراف الدستوري بالحقوق الكردية و"الحكم الذاتي الديمقراطي" للشعب الكردي إلا أن تطبيقاته على الأرض بعيدة كل البعد عن تلك السياسيات المعلنة. إذ تبدو سياساته لا تختلف في الحقيقة والتطبيق عن سياسة البعث العربي الاشتراكي، بل يتقدم عليه أحيانا في القمع والإقصاء وتصفية الخصوم والمعارضين لسياساته.

ولأن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD فرع عن حزب العمال الكردستاني PKK ونسخة عنه، فقد قام بنقل تجربته وتطبيق افكاره الثورية اليسارية الستالينية في مناطق نفوذه في سورية والتي تتعارض مع معتقدات وعادات وتقاليد البيئة الكردية المتدينة بالفطرة، وعمد إلى اساليب غريبة في تجنيد عناصره وتدريبهم، إذ يحظر على المنضمين لصفوفه – الذين يتم اختيارهم من صغار السن - الزواج وبناء عائلة، فتخضع الفتيات القاصرات صغيرات السن إلى عملية استئصال للرحم لكي لا تنجب أبدًا، كما يتم قطع اتصال هؤلاء العناصر بعائلاتهم وأقربائهم بشكل شبه تام، وقد سجلت حالات لم تر بنت أمها إلا بعد 12 عامًا! وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والأطفال على وجه الخصوص قام بها هذا الحزب بشكل مستمر وممنهج !.

قبيل هجوم داعش على مدينة عين العرب - كوباني وجهت تركيا دعوة لصالح مسلم، وعرضت عليه دعمه ومنع هجوم داعش لكن بشروط ثلاثة، أولها: فك ارتباطه بنظام بشار الأسد (بالمشروع الإيراني تحديدًا)، ثانيها: انضمام قواته للجيش السوري الحر ورفع علم الاستقلال، وثالثها: تخليه عن فكرة الكانتونات والحكم الذاتي الذي يمهد للانفصال. لكنه أبى!.

مما سبق أعلاه يبدو واضحا أن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD نشأة وتأسيسًا وأيديولوجية واستراتيجية وأهدافا، فضلًا عن كونه لا يمثل أكراد سورية وتطلعاتهم الوطنية، فهو جزء من منظومة إرهابية تعبث بتركيبة المنطقة وتهدد أمنها واستقرارها.

يحاول كل من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وتنظيم داعش وبعض القوى الأخرى تغيير البنية الديمغرافية في سورية، وفرض واقع جيوسياسي جديد في ظروف استثنائية غير عادية، بقوة السلاح ومن خلال الإرهاب والعنف. هذا مرفوض ويجب مواجهته بكل السبل والوسائل، ولن يقبل به الشعب السوري الذي ثار على الحكم الدكتاتوري من أجل حريته وكرامته فقط.. وفقط.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس