ترك برس

نُظم، في شهر أيار/ مايو الماضي، في مدينة دروغدا التي تبعد عن العاصمة الإيرلندية "دبلن" مسافة 70 ميل والتي تُعد أحد مدن الموانئ المتعددة، حفل استعراضي وُصف بأنه فوق العادة. نُظم هذا الحفل بهدف إرسال شكر خاص للإمبراطورية العثمانية وحفيدتها تركيا بما قامت به الإمبراطورية العثمانية من تقديم مساعدات ضخمة لإيرلندا قبل قرن ونصف القرن بعدما أصابها القحط والفقر.

حسب الوثائق والمصادر التاريخية؛ قدم السلطان العثماني عبدالمجيد "1823 ـ 1861"، الذي لُقب بـ"ناصر المظلوم"، مساعدة مادية وعينية قُدرت في ذلك العهد بقيمة 10 آلاف جنيه إيرلندي للشعب الإيرلندي ليتمكن من مواجة القحط والجوع القاتل الذي تسبب في موت الكثير من مواطنيه وهجر أكثر من 2 مليون شخص إلى الولايات الأمريكية المتحدة وغيرها من الدول.

ولكن تفيد الوثائق العثمانية بأن ملكة بريطانيا في ذلك العهد فيكتوريا قررت أن الدولة العثمانية لن تتمكن من إرسال المبلغ كاملًا ولكن فقط ألفي جنيه إسترليني لإيرلندا التي كانت تحت حكمها في إطار "تجمع القوميات الإنجليزية" وانفصلت عن حكمها عام 1949 بإرادتها الشعبية. بسبب هذا التعنت الإنجليزي قرر الإمبراطور عبد المجيد إرسال سفن مُحملة بالطحين بدلًا من المساعدات النقدية، ولكن استمر التعنت الإنجليزي ورفضت السلطات الإنجليزية إنزال حمولة الطحين في ميناء دبلن فاضطر العثمانيون إلى الانسحاب قليلًا باتجاه ميناء دروغدا وهناك وبشكل خفي وسريع تم تفريغ حمولة المساعدات الغذائية عام 1847م.

وبسبب هذا الموقف الإنساني البطولي للدولة العثمانية التي سطّرت في ذلك الوقت أقوى دروس الإنسانية والسماحة في مساعدة الدول والشعوب لإنسانيتهم فقط دون الأخذ بعين الاعتبار أي انتماء ديني أو قومي أو عرقي. ولرد جميل هذه المساعدات نظمت بلدية دروغدا حفل شكر خاص موجه للدولة العثمانية في بداية شهر أيار/ مايو الماضي.

وتذكر المصادر المحلية الإيرلندية بأن هذا الحفل ليس خاصًا بالعام الحالي فقط بل هو حفل شكر وعرفان تنظمه بلدية دروغدا على مدار 150 عام لتقديم الشكر للدولة العثمانية التي حاولت إنقاذ شعب إيرلندا بعد قيام بريطانيا الدولة الحاكمة لإيرلندا في ذلك الوقت بفرض حصار حصين عليها بسبب عصيان أمرائها لها ومحاولتهم الإنفصال عنها.

ويُنظم الحفل كل عام في نفس الميناء التي قدم إليها البحارة العثمانيون المحضرون للمساعدات، وقال السفير التركي طارق باي كوت في إيرلندا الذي تحدث كممثل فخري عن الدولة العثمانية خلال الحفل بأنه "لمن دواعي سروري كحفيد للدولة العثمانية أن أكون موجود في هذا الحفل المهيب والذي يرسخ مبادئ الدولة العثمانية التي كانت على الدوام معلما ً من معالم الإنسانية والحضارة".

وأوضح السفير أنه هو أيضًا شخصيًا علم عن موضوع المساعدة التي قدمتها الدولة العثمانية للشعب الإيرلندي من خلال مجلة "ذا ثيريشولد" في عددها الصادر عام 1957، وأضاف باي كوت بأنه "بعد علمه بالموضوع اتجه للفور صوب الأرشيف العثماني الموجود في قصر الباب العالي في إسطنبول وبدأ يبحث عنه، وهناك وجد رسالة تاريخية أرسلها الأمراء الإيرلنديون إلى السلطان العثماني عبدالمجيد الذي قدم المساعدة وحرص على إيصالها بكل الأساليب إلى الإيرلنديين".

وحسب باي كون فإن المكتوب، الذي ما زال إلى يومنا هذا محفوظًا في الأرشيف العثماني، كان يحتوي على التالي:

"نحن الموقعون أدناه أمراء إيرلندا الأصليون، نتوجه باسمنا وباسم شعبنا المحاصر بخالص احترامنا وشكرنا وعرفاننا إلى السلطان العثماني عبد المجيد المعظم وإلى جميع مواطني وشعب الدولة العثمانية الكرماء الذي قاموا ببذل كل ما بوسعهم من أجل إنقاذ شعب إيرلندا المُكدر والمحاصر من قبل الإمبراطورية البريطانية "الظالمة"، لا يسعنا إلا أن نشكركم على إنسانيتكم التي حُرم منها الكثير من الإمبراطوريات".

ويُفيد باي كوت، في نهاية خطابه، بأن "قيام الدولة العثمانية بالمخاطرة والاستعداد لتحمل عبء كل ما هو مُتوقع من اشتباك وحرب محتملة مع الإمبراطورية البريطانية من أجل إنقاذ الشعب الإيرلندي الذي يبعد عنها أكثر من 4 آلاف كم ما هو إلا موقف تاريخي أسطوري يُسطر في تاريخ الإمبراطورية العثمانية التي اتسمت بالعديد من الصفات الإنسانية الحميدة في حين كانت الأمبراطوريات التي عاصرتها محرومة من تلك الصفات".

وكما يؤكد باي كوت "أن ما تقوم به تركيا اليوم من مساعدات تطول الآلاف من المحتاجين حول العالم ماهو إلا إرث حضاري ورثته عن أجداد العثمانيين الذين كانوا دومًا في عون المحتاج وتركيا أينما كان هناك مظلوم أو محتاج ستكون بجانبه ولن تحيد قيد أنملة عن هذا الواجب إطلاقًا".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!