د. إبراهيم عبد الله سلقيني - خاص ترك برس

أقوى ألاعيب السياسة استثمار الفرص، وفشل الانقلاب التركي هو أكبر فرصة منحها الله تعالى لتركيا في مواجهة خصومها الذين تجاوزوا مرحلة الخصومة إلى الحقد الأعمى.

ونجد اليوم أن تركيا تطالب أمريكا بفتح الله غولن بلهجة صارمة، فهل هي قادرة يا تُرى على تحقيق هذا المطلب؟!!

يمكننا فهم النتيجة إذا عرفنا أوراق الضغط التي تملكها تركيا في مواجهة أمريكا لتحقيق مطلبها هذا:

1- تحويل الرصيد الاحتياطي من الدولار إلى العملة الذهبية، حيث يبلغ احتياطي العملة الأجنبية من الدولار في تركيا 120 مليار دولار في منتصف 2015م.

2- حصدت تركيا من فشل عملية الانقلاب تعاطفًا شعبيًا ضخمًا على مستوى العالم الإسلامي، وهذا يسمح لها بتحريض الشعوب الإسلامية على مقاطعة البضائع الأمريكية، ويكفيها أن توجه الإعلام غير الرسمي للقيام بهذا الدور لتفادي عواقبه القانونية، وستقوم حينئذ به خير قيام مستعينة بالأصوات العربية الكثيرة المهاجرة إليها، والمتضررة من أمريكا.

3- تسريب ملفات ارتباط أمريكا بعملية الانقلاب الفاشلة، وهذا سيؤثر على شعبية أمريكا داخلياً وفي الدول الغربية، وسيفضح نفاقها السياسي.

4- تنظيف الداخل التركي وما يتبعه من قوة في قراراتها الإقليمية، وبالتالي فإن ميزان القرار سيميل باتجاه تركيا في مقابل أمريكا، مما سيضطر أمريكا لتقديم بعض التنازلات المحدودة (كتسليم غولن مثلًا) والمرحلية، حتى تمر فترة من الوقت تبرد فيها الأمور ويتغير ميزان القرار السياسي، لتعاود أمريكا المطالبة بأهدافها الاستراتيجية حينئذ.

5- تركيا بعد الانقلاب الفاشل كالأسد الجريح الذي لا يزال بكامل قواه وطاقته، بل ربما يكون الآن أقوى من ذي قبل، فليس من المصلحة أن تجابهه خوفًا من قيامه بخطوات غير محسوبة أمريكيًا.

6- روسيا تخلت عن الشمال السوري لتركيا في الاتفاق الأخير؛ لتضع تركيا وجهاً لوجه مع أمريكا، ولتوقف أمريكا عند حدودها، فلا تتعدى على مواقع النفوذ الروسي. وفي هذه الحالة ستقوم تركيا بقصف مواقع عسكرية حساسة للأسد، وتزود الجيش الحر بسلاح لا يؤثر على مواقع النفوذ الروسي. وأمريكا حينئذ لن تتمكن من إيقاف الخطوات التركية تلك؛ لأنها لا ترغب حاليًا بافتضاح أمرها أنها تقف مع الأسد بشكل كامل.

7- من حق تركيا إغلاق قاعدة إنجيرليك ذات الـ 50 عامًا، تحت مسوغ مساهمتها في الانقلاب الفاشل، وهذا سيجعل كامل الشمال السوري والعراقي تحت النفوذ التركي المباشر والخالص.

8- بعد تنظيف الدولة التركية لم يبق لأمريكا يدٌ في العمق التركي، وبالتالي لا يمكنها الانتقام من تركيا بسهولة إذا ما خرجت عن طوعها، لذا لم يبق لأمريكا الكثير من أوراق الضغط على تركيا، وبالأخص أن تركيا اليوم (صفر) ديون.

9- اقتصار تركيا على طلب صغير جدًا، وهو تسليم شخص لم يعد له أي نفوذ داخل تركيا، ولم يعد لوجوده أي فائدة لأمريكا؛ لا في الوقت الراهن، ولا في المستقبل. وهذا سيجعل التجاوب الأمركي سهلًا، في مقابل الدرس الكبير الذي ستلقنه الحكومة التركية لكل من يخون الوطن، وأن أكبر خائن ستقبض عليه الدولة حتى لو كان في أرض الدجال الأكبر أمريكا.

لكن يبقى هنا سؤال الرئيسي في المقالة:

هل ستسلم أمريكا فتح الله غولن لتركيا؟

إن أمريكا حريصة كل الحرص على زرع الأمان في قلوب عملائها، وبالتالي لا يمكن أن تسلم عميلًا يقيم في عقر دارها...

هذا مستحيل؛ لأنه يشعر باقي العملاء بسهولة تخلي أمريكا عن عملائها.

لكنها ستطلب منه الرحيل إلى دولة يختارها قبل بت القضاء الأمريكي في القضية، ومن ثم ستقوم الدولة الجديدة بتسليمه.

وهو ما حصل مع عبد الله أوجلان من قبل.

والذي يعني في المحصلة تسليمه، لكن بخبث ودهاء السياسيين.

وهذا يعني على كل الأحوال بداية عهد جديد لتركيا داخليًا، وعلى مستوى المنطقة والعالم...

عن الكاتب

د. إبراهيم عبد الله سلقيني

دكتوراه في الفقه الاجتماعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس