ترك برس

رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، شفيق ناظم الغبرا، أن تركيا ستعود ثانية للبحث عن مكانتها في الشرق العربي والإسلامي، لكن ذلك لن يقع بين يوم وليلة، وأنها ستنشغل بنفسها وبظروفها في المرحلة المقبلة، مشدّدا أن أوروبا ستندم على استبعاد تركيا في قرار قادته ألمانيا وفرنسا قبل عقد، وهذا سيدفع بتركيا في صورة أكبر نحو الشرق العربي بصفته عمقها الاستراتيجي ومجالها الحيوي.

وأوضح الغبرا في مقال له نشرته صحيفة "الحياة"، أن "هذا اتجاه تاريخي سيوازي الاندفاعة الإيرانية نحو الإقليم العربي. إن المرحلة العربية والتركية المقبلة المحفوفة بالتقلبات مستمرة، كما أن المصير التركي والعربي سيكون أكثر تداخلاً من أي وقت مضى".

وأشار الكاتب إلى أن تركيا ليست نموذجاً ليبرالياً في شؤون الحريات والتعبير، بل في زمن ما قبل أردوغان كانت دولة سلطوية يتحكم بها الجيش، لكنها في هذه المرحلة من تطورها الشاق والصعب تستند إلى انتخابات حرة ونزيهة، وتنوّع في الأفكار، وبرلمان يراقب ويطرح قضايا، وأحزاب معارضة نقدية، ووجوه عدة في الحياة السياسية، وهي تحكم من مدنيين قابلين للتغير في انتخابات دورية.

لقد نجحت تركيا في استعادة روحها الحضارية التي فقدتها مع الكمالية ذات المنحى الأوروبي. تركيا في العهد الأردوغاني استعادت توازناً مفقوداً بين الإسلام والحداثة وبين الشرق والغرب والإسلام والديموقراطية، وفي هذا أهمية النموذج وعمقه بل ومكانته التاريخية للتجربة الإسلامية في ظل فشل النظام العربي في إدارة إمكاناته وآفاق تطوّره.

في المرحلة المقبلة - يضيف الكاتب - سيسعى أردوغان الى تعديل الدستور بحيث يتحول النظام في تركيا الى نظام رئاسي كما هي حال أنظمة رئاسية ديموقراطية. ستكون للرئيس المنتخب صلاحيات كبيرة، وهذا سيغير تركيا من دولة برلمانية قائمة على تحالف حزبي يواجه صعوبات في صنع القرار، الى دولة رئاسية أكثر قدرة على صنع القرار. النظام البرلماني أكثر جموداً في صنع القرار بحكم التنوع الحزبي في البرلمان وانعكاس ذلك على تشكيل الحكومة، بينما الرئيس المنتخب في النظام الرئاسي يعين الحكومة ويقودها في ظل برلمان يعنى بالميزانيات والقوانين والرقابة والضرائب والحقوق.

وأوضح أن ما سيحدّد قدرة أردوغان على تحمّل تبعات المرحلة المقبلة، مرتبط بعوامل عدة من أهمها الاستمرار في تطوير بنية البلاد وسياحتها، مبينًا أن خيارات أردوغان الاقتصادية متعددة، فهو في الأساس قام بإصلاحات اقتصادية وسياسية، ولهذا لن تكون السلطة في تركيا رهينة مصالح الجيش الضيقة، ولن تكون رهينة مصالح كبار البيروقراطيين والأجهزة.

وأضاف: "هذا سيحدّد الفارق في تحالفات السلطة وعمقها، بل ستكون السلطة في تركيا معتمدة على رؤية الحزب الحاكم من جهة، ورؤية القواعد الشعبية التي انتخبت هذا الحزب في الشارع التركي من جهة أخرى، وفي هذا يحتاج هذا الحزب الى العمل على بناء حوار جاد وإشراك واضح لقوى المعارضة التي وقفت بقوة ضد الانقلاب. إن نجح سيكون النموذج التركي قادراً على تطوير مشروعه".

واعتبر الكاتب أن تركيا الآن جريحة، وقد اهتزت ثقتها بالغرب وبالولايات المتحدة، وأردوغان الذي كاد أن يقتل أو أن يكون خلف القضبان نجا من الفخ، كما أنه صمد بفضل شجاعته وبفضل مستوى التنظيم بين أنصاره وبين شعبه.

كان أردوغان في طريقه قبل الانقلاب، الى تحجيم أكبر للجيش ودوره السياسي، وكان في الوقت نفسه في طريقه الى فرض التقاعد على قادة في الجيش والأجهزة الحكومية من المرتبطين بحركة غولن. يبدو من المقدمات أن هذه القوى حاولت استباق تحركات أردوغان من خلال الانقلاب.

وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، في وقت متأخر، من مساء الجمعة (15 تموز/يوليو)، محاولة انقلابية فاشلة، نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لمنظمة "فتح الله غولن" (الكيان الموازي) الإرهابية، حاولوا خلالها إغلاق الجسرين اللذين يربطان الشطرين الأوروبي والآسيوي من مدينة إسطنبول (شمال غرب)، والسيطرة على مديرية الأمن فيها وبعض المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة.

وقوبلت المحاولة الانقلابية، باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات، إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، والمطار الدولي بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن، ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب مما ساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.

جدير بالذكر أن عناصر منظمة "فتح الله غولن" الإرهابية - غولن يقيم في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1999- قاموا منذ اعوام طويلة بالتغلغل في أجهزة الدولة، لا سيما في الشرطة والقضاء والجيش والمؤسسات التعليمية، بهدف السيطرة على مفاصل الدولة، الامر الذي برز بشكل واضح من خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!