عمار الكاغدي - خاص ترك برس

بكل تجرّد لا يمكن أن نختزل هذا النوع من العلاقة بحب أو كره، حتى أنا لا زلت مستغربًا من طبيعة العلاقة بيننا نحن الشرق المسلم مع الغرب، هذه العلاقة لا يجب أن تكون على ما هي عليه الآن على الإطلاق.

عندما ترعرعت في بلادي كان الجميع يحذر من شبح "العولمة" الذي كان يتمدد بوضوح جلي في نهاية التسعينيات وبداية القرن الـ21، في الوقت ذاته أجمل حلم كان يراود شبابنا في تلك الأيام هو "الحلم الأمريكي" بتفاصيله الوردية.

إذا تجاوزنا حرب العراق 2003 التي انقضت بانسحاب أمريكا ومفاعيلها بعد ذلك فإن كل المؤشرات عادت تؤشر إلى اقتناع متدرج بـ "عبثية" الاستمرار في الحرب مع الغرب وبدئ تشكل حالة يمكن أن توصف بـ"احتمالية قبول التعايش" وكان من الممكن جدًا أن تتطور هذه الحالة العامة إلى درجة" قبول التعايش"...

بهامش قليل من الحريات في بلادنا العربية تمكن مفكرون، وعلماء دين أصحاب مرجعية، وكتاب "معتدلون"، من إعادة التوازن إلى كثير من الشباب العائد توًا من العراق بعد مشاركته الفعلية في الحرب، الكثير ممن أعرفهم عادوا وانخرطوا ضمن الأوساط الأكاديمية تاركين خلفهم هذا الماضي وكأنه سحابة صيف عابرة.

جمعيات أهلية، أحزاب إسلامية سياسية، ندوات لمراجعات فكرية جذرية ومفصلية بكل معنى الكلمة، كل هذه الفعاليات تمّت بجهود ذاتية غير مدعومة، نابعة من رغبة وليدة بالتغيير المنطقي المتوازن والمتدرج والأهم هنا  "اللا متصادم" مع الغرب، أما الأنظمة الحاكمة المستبدة فعلى الرغم من كونها تتشكك من بائع الفوشار إلا أنها وجدت في هذه التحركات "صمام أمان" من الحركات الانقلابية الدينية بأدواتها المعروفة الأيديولوجيا والسلاح، ولكن، ما هو موقف الغرب "الحقيقي" حينها من تلك الانتقالات النوعية في مجتمع يصفه الغرب على الدوام بالانغلاق والتخلف؟؟ الغرب الذي ترصد حكوماته ميزانيات هائلة "على الإعلام فقط" لتصدير نسخ من تمثال الحرية إلى بلادنا بلاد الظلام.

لا بد من الإجابة من خلال نموذج يعرفه الجميع وهو "الإخوان المسلمون" أقدم الحركات السياسية المدنية  ذات المرجعية الدينية في المنطقة، كما نعلم فقد نشأت هذه الجماعة بمصر عام 1928، بعد ذلك، أحزاب وجماعات وبأسماء مختلفة تحمل نفس المرجعية الفكرية انتشرت في أنحاء العالم الإسلامي.

اللافت للنظر أن أول ثمرة ملموسة لهذا الفكر "الإخواني" أثمرت خارج الدول العربية في تركيا.

الكثير من المفكرين الإسلاميين نظروا بعين التشكك والامتعاض إلى تجربة إخوان تركيا على اعتبار أنها "متماهية" و"تصالحية" أكثر من اللازم مع الغرب وقيمه الدخيلة على مجتمعاتنا و"الديمقراطية" هنا عدو متطفل لا يقل خطورة عن "الهمبرغر الأمريكي".

ولكن هذا لم يمنعهم من أن يرفعوا القبعة عندما ظهرت النجاحات النوعية التي تحققت في تركيا بقيادتها الجديدة وفي فترة قياسية نسبيًا وعلى مستويات مهمة ومتعددة.

بالعودة إلى الدول العربية فبعد الإطاحة بنظام "مبارك" واستلام "إخوان مصر" لدفة الحكم بعد انتخابات نزيهة بشهادة "العم سام" الذي بعث بولده "كارتر" حينها، بدأنا كشعوب عربية بالعد العكسي منتظرين مصر الجديدة والتي ستكون لنا بمثابة "تركيا العرب" والتي ستقطر باقي عربات الدول العربية نحو التقدم والديمقراطية والتسامح و... و... و...

حتى المتشددون في بلادنا أعطى البعض منهم فرصة لهذه التجربة، وكان الاحتمال الأرجح أنهم سيعقدون ندوات مراجعة فكرية فور ظهور أول ثمار هذه النبتة الجديدة في بلادنا، بل إن البعض منهم ألمح إلى احتمال المشاركة الفعلية ضمن "قبة برلمان" كان يعتبرها من قبل "قبة لا تضم تحتها إلا الكافرين".

المتطرفون انتظروا وأعطوا مهلة وانتظروا جانبًا ولكن "الغرب" لم يفعل، وبهذا يعيد الغرب الروح  لنظرية كانت في رمقها الأخير في البلاد العربية أكاديميًا وربما حتى في الأوساط الدينية إلى حد ما، أقصد هنا "نظرية المؤامرة" هذه النظرية التي استند عليها "تنظيم القاعدة" وكانت سبب نشوئه والركيزة الأهم في خطابه الديني فيما بعد، الآن يمكن أن يضاف إلى نظرية المؤامرة رافد جديد وهو الوضع "الجيوسياسي" الذي استطاعت "داعش" فرضه كأمر واقع أعجز أمريكا والدول المتحالفة ضده في الظاهر على الأقل.

ياله من كاذب هذا الذي يدعي وجود خرافة تسمى "الخيار الثالث" لشباب دول الشرق الأوسط في هذه الأيام غير التطرف أو الانحلال الكامل فكريًا وخلقيًا.

طبعًا فهذا هو نتاج "الخلطة السحرية" للعم سام هذه الخلطة التي بدأ بإعدادها بمجرد إقلاع طائرة إبنه "جيمي كارتر" من واشنطن متوجهة للقاهرة ليكون شاهد عيان لضمان نزاهة انتخابات الإخوان!!!

خلطة فحواها الاستقطاب الفكري والإعلامي والديني والمذهبي بين قطبي التطرف وعكسه قطبين  يصعقان كل الخيارات فيما بينهما حتى الحرق.

السؤال الأصعب هنا: هل فات الأوان؟؟ لا أعلم ولكن الذي أعلمه هو: أن تصل متأخرًا خير من أن لا تصل.

عن الكاتب

عمار الكاغدي

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس