إمره أكوز – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

في كل مرة يحاول "ماهر كايناك" أحد موظفي الاستخبارات التركية أن يوصل صوته للجمهور بأن "لا يقيّموا السياسيين حسب أيدولوجيتهم"، لأن البعض حتى لو أصابوا في تقييم الدولة والمنظمات الأخرى من خلال "أقوالهم" بدلا من تقييمهم بناء على "مصالح" كل واحد منهم، فإنهم على المدى البعيد سيفشلون بكل تأكيد في فهم الأحداث والنتائج التي يهدف كل طرف للوصول إليها، وهذا ما يقع فيه العديد من الصحفيين والكتاب والمفكرين، خصوصا خلال تناولهم للتطورات الأخيرة في سوريا والعراق وفي المنطقة بأسرها.

يستخدم "تنظيم الدولة الإسلامية" جميع الأدوات الإعلامية الممكنة لتوصيل رسالته وأهدافه، فبعد الفيلم الوثائقي "لهيب النار"، أصدرت "داعش" الإصدار الرابع لمجلتها التي يطلقون عليها اسم "دابق"، موضحا فيها سبب مهاجمته لمنطقة عين العرب "كوباني"، والأهداف الحقيقية لمهاجمة الأكراد هناك حينما قالوا في هذا الصدد عبر مجلتهم:" هاجمنا عين العرب كوباني لأنها تضم الماركسيين والملحدين كحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي والذين سيكونون في المستقبل أهم حليف لمجموعة الصليب الغربي...".

لو نظرنا إلى هذا التصريح، سنلاحظ أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يتحدّث عن خطر سيحصل في "المستقبل"، لهذا وضعت الآلاف من قادتها في هذه المعركة رغم عديد المخاطر. لكن هذا ما لم ولن يقوم بها العساكر والجنود المتبقيين من زمن صدام حسين، لاختلاف وجهة نظرهم وأسلوب تعاملهم مع الحروب، فبالنسبة لفهم في ظل وجود أهداف هامة وعاجلة، لا يمكنهم القيام بأعمال تهدف إلى إزالة خطر محتمل في المستقبل.

من جهة أخرى، يرى تنظيم "الدولة الإسلامية" أن مهاجمة كوباني خيار صائب وموفق، لأنهم يريدون مهاجمة القوات العسكرية التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية على الأرض وهي القوات الكردية، ونحن ندرك جيّدا أن أمريكا تريد رسم خارطة المنطقة الجديدة باستخدام الأكراد.

من ناحية أخرى لم تهاجم "داعش" منطقة إقليم كردستان في شمال العراق، لأنها بذلك كانت ستجعل أنقرة التي أبرمت اتفاقات نفطية مع برزاني تخرج ضدها وبكل قوة، لهذا فإنني أرى أن "داعش" تدير المعركة العسكرية بذكاء، وتتصرف بمنطقية. فحتى لو كانت أهدافهم التفصيلية مبهمة، إلا أن هدفهم الأساسي واضح للعيان، وهو رغبتهم في تأسيس دولة مستقلة للعرب السنة، لهذا فإنهم يرون في كل شخص لا ينتمي للسنة، عدو ولهم وأعمالهم وهجماتهم الحالية تهدف إلى تطهير المنطقة من الشيعة واليزيديين والأكراد من أجل تأسيس دولة تحافظ على حقوق العرب السنة في كل من سوريا والعراق بدلا من الاضطهاد والظلم الذين يتعرضون له في كلا البلدين.

يقوم تنظيم "الدولة الإسلامية" كعادته بتغليف كل أعماله الارهابية والإجرامية بغلاف "الإسلام"،لكن أعمالهم وهجماتهم هذه هدفها واضح جدا وهو "تطهير طائفي وعرقي" وربما نطلق عليها أيضا "إبادة جماعية" يرتكبونها من اجل تحقيق هدفهم. والآن تريد الولايات المتحدة الأمريكية القضاء التام على داعش لما يشكلونه من خطر على مشروعهم الحالي.

الغريب هنا أنه بعد انتهاء كل هذه الأحداث والقضاء التام على "داعش" ستطلب الولايات المتحدة الأمريكية من كل طرف أن "يبقى في منطقته" وبالتالي سيقبلون بدون تردد تأسيس دولة للعرب السنة في المنطقة.

عن الكاتب

إمره أكوز

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس