د. إبراهيم عبد الله سلقيني - خاص ترك برس

بدأت أوروبا نشاطها بمنع الدبلوماسيين الأتراك من دخول أراضيها، ثم منعت نشاطات الدعاية للأحزاب المؤيدة للتعديلات الدستورية، إلى أن بلغت حد وضع التعديلات الدستورية التركية على أغلفة مجلاتها، بل وإصدار برامج تلفاز باللغة التركية ضد التعديلات الدستورية، وبدأت بترويجها على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل مأجور، لتكون من الإنفاق "في سبيل الله"!!

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل تجاوزتها إلى تصريحات على لسان مسؤولي الاتحاد الأوروبي ضد التعديلات الدستورية التي كنا نظنها أنها تركية. وبدلاً من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإننا تعرضنا لصدمة شديدة من انضمام أوروبا كاملة إلى تركيا والمشاركة في الحملة الدعائية لاستفتاء التعديلات الدستورية، في تدخل صارخ وصريح في السياسة الداخلية التركية.

هذه السلوكيات التي تتنافى مع الديمقراطية داخل أوروبا، والتي تسمح بالنشاطات الحزبية للدول الأخرى، باعتبار أن النشاطات الحزبية هي نشاطات مجتمع مدني في مقاييس "ميزان الجزر" التي لا يطبقونها على المسلمين!! بل إن قوانينها تسمح بالحملات الانتخابية للأحزاب بين الجاليات غير الأوروبية في بلادها، لكن هذا كله لا ينطبق على المسلمين؛ لأن المسلمين لهم قوانين ديمقراطية خاصة جداً، ومن ضمنها التخطيط الغربي للانقلابات في دولهم، ودعم الدكتاتورية فيها بكل ما أوتي الغرب من قوة، وتجميد نشاط أي كتلة حرة ومنصفة ومخلصة لوطنها؛ ولو كانت علمانية!!

ولا ندري ما هو التبرير المنطقي لهذه الانفعالات والسلوكيات غير المدروسة؛ هل هو النازية؟!! أو العودة لحقبة العصور الوسطى والتخلف الأوروبي وأحلام الحروب الصليبية؟!! أم إن قلبه حَنَّ من جديد لعصور الاحتلال المباشر للعالم الإسلامي، ولم يَعُد عملاؤه في المنطقة قادرون على إيقاف تمدد الزحف الفكري الإسلامي؟!! مما اضطرها لمحاربته بشكل مباشر وصريح!!

مهما كانت أهداف أوروبا في هذه السلوكيات - الخارجة عن الأعراف السياسية والأخلاقية والقيمية - فإننا نشكرها على هذه الحملة القوية، وعلى هذا الجهد المبارك، فقد تسببت بتوضيح الصورة بشكل دقيق لثلاثة قطاعات في العالم:

1- الشعب التركي الذي زاد إصراراً على إصرار على الموافقة على الدستور الجديد؛ إن لم يكن حباً في حزبي العدالة والحركة القومية اللذين يملكان أكثر من ثلثي أصوات البرلمان، فغيظاً وحنقاً من أوروبا وتدخلها الوقح في الشأن الداخلي التركي!!

2- شعوب العالم الإسلامي التي عرفت أن الحرب على الإسلام وليست على تركيا، وهذا جعلها تتعلق بتركيا أكثر، وتتعاون معها سراً وعلناً.

3- شعوب أوروبا والغرب الذي بدأ يستيقظ، وبدأ يفهم اللعبة على حقيقتها، وهذا سيدفع قيادته للاتجاه في أحد اتجاهين لا ثالث لهما:

أ) الوقوف مع شعوبها في الديمقراطية الحقيقة، والتي ستنتهي بدخول أوروبا في الإسلام بسبب تطرف ونازية حكامها.

ب) إظهار أولئك الحكام الأوروبيين لوجههم الحقيقي، وتحولهم إلى دكتاتوريين ضد شعوبهم، حقداً على الإسلام وخوفاً من ظهوره.

لتتكرر قصة أصحاب الأخدود بين الغلام والساحر والراهب، وقصة فرعون مع السحرة، وقصة قارون مع اللذين تأثروا بأفكاره ومظهر ثروته!!! فهل هو التاريخ يعيد نفسه؟!! أم إن الصراع بين الدكتاتورية والحرية تحول من نطاق الدولة الواحدة إلى العالمية؟!! فمن الذي سيربح في هذه الحرب العالمية الجديدة يا ترى؟!!
 

عن الكاتب

د. إبراهيم عبد الله سلقيني

دكتوراه في الفقه الاجتماعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس