ترك برس

في خضم حملة الانتقادات العنيفة التي تشنها وسائل الإعلام الغربية ضد التغيير الدستوري في تركيا، لا نعدم أن نجد بعض الأصوات التي غردت خارج سرب المنتقدين، وتحدثت بموضوعية عن الدستور الجديد. ومن هؤلاء المحلل السياسي القبرصي خريستوس بانايوتيديس الذي وصف النظام الجديد بأنه سيحقق استقرارا سياسيا داخليا أكبر لتركيا، ويقضي على هيمنة الجيش على الحياة السياسية في تركيا.

وكتب بانايوتيديس مقالا نشره موقع سيبريس ميل، عن أثر نتيجة الاستفتاء في القضية القبرصية، قال فيه إن النظام الجديد في تركيا يشبه نظام الولايات المتحدة وفرنسا وقبرص، وسوف يُفعل مع انتخاب رئيس جديد، قد يكون أردوغان نفسه، في الانتخابات المقرر عقدها في أواخر عام 2019.

وأشار المحلل القبرصي إلى أن نتائج الاستفتاء تتفق في الواقع مع القوة النسبية للأحزاب السياسية في تركيا،حيث إن  العديد من أعضاء حزب الحركة القومية  لم يكونوا سعداء لانحياز حزبهم لحزب العدالة والتنمية الحاكم، من ثم يفترض أن جزءا كبيرا من أصوات حزب الحركة القومية انتقل إلى معسكر "لا".

وأضاف أن النسب العالية التي حققها معسكر "نعم" في فرنسا وألمانيا وهولندا تشير إلى أن تكتيكات الاستقطاب التي اتبعها أردوغان قد آتت أكلها، أما النسبة  المنخفضة جدا في الولايات المتحدة،فهي على الأرجح، نتيجة لتأثير فتح الله غولن هناك، في حين أن ارتفاع  نسبة التصويت ب "لا" في  الجانب التركي من جزيرة قبرص، هو على الأرجح نتيجة الوجود العسكري في شمال قبرص.

وقال بانايوتيديس، إنه استنادا إلى التحليل السابق فإنني أجد صعوبة في فهم الموقف الذي اتخذه العديد من المعلقين الدوليين بأن نتيجة الاستفتاء تعكس "انقساما سياسيا عميقا" في تركيا، لكن الصواب أنها تعكس انقساما بين الأحزاب السياسية.

ورأى أن النظام السياسي الجديد سيحقق استقرارا سياسيا داخليا أكبر لتركيا، بعد هيمنة الجيش على الحياة السياسة في تركيا منذ أن أسس كمال أتاتورك "الدولة العلمانية الحديثة"، حيث كان الجيش يتدخل من حين لآخر لإعادة البلاد إلى "مسارها الصحيح" .

وأضاف أن سيطرة الجيش على الساحة السياسية التركية كان له أثر مزعزع للاستقرار، وساهم بلا شك في عدم حل مشاكل البلاد، مثل المشكلات المرتبطة بالأكراد واليونان وقبرص. وفي تقديري أن الاستقرار السياسي الداخلي الذي يحتمل أن ينجم عن التغيرات السياسية التي مهد لها الاستفتاء، سيسهل حل هذه المشاكل.

وحول تأثير الدستور الجديد على السياسة الخارجية التركية قال بانايوتيديس إن الرئيس أردوغان توصل إلى الاستنتاج الصحيح بأنه لا أمل لتركيا في أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي، وهذا هو السبب في أنه قد يدفع من أجل إعادة فرض عقوبة الإعدام في تركيا. وليس ذلك لأن عقوبة الإعدام هي مسألة مهمة لتركيا، ولكنها لا تعدو أن تكون وسيلة لإخبار العالم بأن تركيا غير راغبة في أن تتلقى تعليمات وإملاءات من الخارج. ومن المرجح أن يشجعه هذا الموقف على التماس علاقات دولية أخرى تتجاوز تلك التي كانت  تضع تركيا في الماضي ضمن الغرب.

وفيما يتعلق بتأثير الدستور الجديد في القضية القبرصية، رأى المحلل القبرصي أن التطورات السياسية في سوريا قد تدفع الغرب إلى تقديم تنازلات لتركيا على حساب قبرص، وهو ما يشكل تهديدا خطيرا للأخيرة، داعيا إلى أن يكون الهدف الأول للقبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك دائما عزل أنفسهم عن الصدمات التي ستترتب على عملية التسوية هذه.

وانتقد الكاتب التدخل السياسي لليونان وتركيا في الجزيرة القبرصية، داعيا إلى تحرر القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك من النفوذ السياسي المدمر لليونان وتركيا بوصف ذلك شرطا مسبقا وحيويا لضمان التوصل إلى حل عملي وقابل للتطبيق لمشكلة قبرص.

وقال إن خير مثال على هذا التدخل الكارثي هو الانقلاب الغبي الذي دبره المجلس العسكري اليوناني في عام 1974، وغير ذلك من الأمثلة ، مشيرا إلى أن هذه  أقوى حجة تؤيد التخلي عن الضمانات التي تنطوي على مفارقة تاريخية وعن حقوق التدخل التي أدخلتها اتفاقات لندن - زيورخ.

وختم الكاتب مقاله بالقول بأنه إذا اقتنع الرئيس أردوغان،مستفيدا من مناخ النشوة الذي يسود في تركيا بعد الاستفتاء، بالسماح للقبارصة بالتوصل إلى اتفاق بشأن ترتيب عمل لحكم أنفسهم مع وجود الضمانات الملائمة وضمانات الحماية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، فإن النتيجة ستكون مربحة للجانبين في النهاية، لاسيما في ضوء أن تركيا أشارت بالفعل قبل الاستفتاء إلى أنها مستعدة لدراسة ترتيبات جديدة تتعلق بالأمن والضمانات.

وأضاف سيرتكب القبارصة اليونانيون خطأ فادحا إذا اختاروا ألا يحاولوا، كما أنهم سيرتكبون بنفس القدر خطأ فادحا، إذا اختاروا السير في طريق جوقة انتقاد تركيا بشأن القضايا المتصلة بالشؤون الداخلية للبلد المجاور.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!