ترك برس

يرى حسن بصري يالتشين الخبير في العلاقات الدولية أن الولايات المتحدة تحاول اتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه الخلافات مع تركيا، وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظمة غولن، من خلال إيجاد مشاكل جديدة مثل الاتهامات ضد وزير الاقتصاد السابق زافير تشاغلايان.

ويقول يالتشين، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول التجارية ومدير البحث الاستراتيجي في مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا": "إن الولايات المتحدة تحاول حشر تركيا في الزاوية لاستخدام هذه القضايا ضدها في المستقبل. وهذا فقط جانب من المشاكل الحقيقية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية".

وعلى الرغم من عدم وجود شك في أن القضية ستؤثر سلبًا على العلاقات بين البلدين، فإن مدى هذا التأثير ما زال غير واضحًا. اتّهم القضاء الأمريكي وزير الاقتصاد التركي السابق والمدير العام لبنك "هالك" الحكومي السابق سليمان أصلان بالإضافة إلى شخصين آخرين بالتآمر لتجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، حسبما أعلن مدعي عام منطقة جنوب نيويورك في الأسبوع الماضي.

وأصدرت محكمة أمريكية لاحقًا مذكرة اعتقال لتشاغلايان الذي كان كذلك المدير العام لبنك هالك الحكومي، وسليمان أصلان وشخصين آخرين. ويوسع هذا القرار قضية تستهدف تاجر الذهب التركي الإيراني رضا زرّاب بتهمة تفادي العقوبات، الأمر الذي أثار توترًا بين تركيا والولايات المتحدة.

ويوم الجمعة، انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإدارة الأمريكية ردًا على تهم تفادي العقوبات الأمريكية على إيران الموجهة لوزير الاقتصاد السابق، واصفًا القرار بأنه خطوة سياسية متخذة بحق الدولة التركية. وقال أردوغان: "إنني أقول بكل تأكيد إن هذه خطوة متخذة ضد الجمهورية التركية، حيث أن الولايات المتحدة لم تستطع توفير أرضية للتهمة ضده (وزير الاقتصادالتركي السابق) شخصيًا حتى الآن".

وقال المتحدث باسم الحكومة التركية ونائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ يوم الاثنين إن القضية المستمرة ضد الوزير التركي السابق في الولايات المتحدة ليست أكثر من استمرار لعملية منظمة غولن في 17-25 كانون الأول/ ديسمبر 2013 ضد الحكومة التركية. وأضاف بوزداغ في مؤتمر صحفي عقب اجتماع للحكومة أن كل العمليات التجارية بين تركيا وإيران متوافقة مع القانون الدولي، وإن كل الأنشطة المصرفية مع إيران تخضع لرقابة صارمة من الحكومة.

ووفقًا ليالتشين، حتى لو أرادت الولايات المتحدة استخدام هذه القضايا كنقطة مساومة ضد تركيا في قضايا أكثر حساسية، فإن من غير المتوقع أن يكون لها أثر فعال على تركيا. وقال: "إن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإن صفقة صواريخ أس 400 مع روسيا هي ضد محاولات المساومة هذه من قبل الولايات المتحدة. وعدا عن قوة المساومة المحتملة، لا أعتقد أن هذه القضايا مهمة"، مشيرًا كذلك إلى القضية المرفوعة في القضاء الأمريكي ضد الحرس الشخصي للرئيس أردوغان كذلك.

وخلال زيارة الرئيس التركي إلى الولايات المتحدة في أيار/ مايو الماضي، أثار داعمون لتنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" شجارًا خارج السفارة التركية في العاصمة الأمريكية واشنطن، واندلع قتال أمام السفارة عندما ألقى داعمو التنظيم الذي تعده الحكومة إرهابيًا قناني ماء على مواطنين أتراك، ليبدأ عراك استمر 10-15 ثانية وسط الشارع.

وأدانت هيئة محلفين كبرى في 29 آب/ أغسطس الماضي 19 شخصًا، منهم 15 من أفراد الأمن الأتراك، مرتبطون بالحادثة في واشنطن بين المتظاهرين ومسؤولي الأمن. وفي تصريح له، قال مكتب المدعي العام لمنطقة كولومبيا إن التهم قد وُجّهت لـ16 من المتهمين، وأضيف ثلاثة آخرون إلى القائمة لاحقًا.

وفي هذه الأثناء، أزاح الرئيس أردوغان الغموض عما إذا كانت تركيا ستتخلى عن مسعى المفاوضات مع روسيا لشراء منظومة صواريخ أس 400 بسبب الضغط من قبل حلف الناتو. فقد صرح أردوغان يوم الأحد بأن الدفعة الأولى من ثمن منظومة الصواريخ تم تحويله إلى روسيا، مضيفًا أنه هو والرئيس فلاديمير بوتين مصمّمان على تحقيق هذه الصفقة. وقال أردوغان: "لقد حمى وزير الاقتصاد السابق زافير تشاغلايان مصالح تركيا بما يتوافق مع القانون المحلي والدولي"، مضيفًا أن "هناك أمر مختلف هنا، وهو جزء من كل لعبة قذرة".

كما انتقد وزير الاقتصاد عبد الحميد غُل التهم الأمريكية ضد وزير الاقتصاد السابق زافير تشاغلايان قائلًا إن هذه المزاعم لا أساس قانونيًا لها. كما دافع وزير الاقتصاد التركي الحالي نهاد زيبكجي عن موقف سلفه، وقال للصحفيين: "لم يفعل تشاغلايان أي شيء ضد مصالح تركيا... وليس شأن تركيا ما إذا كان تشاغلايان تصرف ضد مصالح دول أخرى". علاوة على ذلك، أكد زيبكجي أن القضية ضد تشاغلايان غير مثبتة حتى الآن، وأضاف: "هناك مزاعم بأن العقوبات تم انتهاكها، ولكن من يطلق هذه المزاعم عليه أن يثبتها".

وعلى الرغم من أن تركيا تعدّ هذه القضية مسألة سياسية، وفقًا لبعض الخبراء، إلا أنه سيكون من الأفضل لتركيا أن تتعامل مع المسألة كقضية قانونية حسب الخبراء نفسهم. يقول إلتر توران البروفسور في العلاقات الدولية ورئيس جامعة إسطنبول بيلغي سابقًا: "أعتقد أن النظر إلى المسألة كقضية قانونية وتحضير دفاع مناسب فيه مصلحة أكبر لتركيا". ورأى أن من المستبعد أن تتأثر محكمة في نيويورك بوسائل ضغط سياسية، بالنظر إلى النظام القانوني الأمريكي.

وفي كلمة له بهذا الشأن يوم الثلاثاء، صرح رئيس اتحاد نقابات المحامين التركية (UTBA) متين فيزيوغلو كذلك بأن القضية في الولايات المتحدة وصلت إلى نقطة تسبب مشكلة لتركيا. وقال: "هذا تطور مهم للغاية"، مضيفًا أنه "بدلًا من الرد بخطابات هجومية، إننا بحاجة إلى التعامل مع المسألة بمنطق... نحن بحاجة إلى التركيز على ما وراء ذلك حقيقة".

وكان كل من زرّاب ونائب المدير العام لهالك بانك ميهمت هاكان أتيلا قد اعتُقِلا أثناء وجودهما في الولايات المتحدة بآذار/ مارس 2016، ويتوقع أن يمثلا أمام المحكمة في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. وفي حال إدانتهما، سيواجهان حكمًا بالسجن يصل إلى 30 عامًا.

ويُتّهم كل من تشاغلايان وأصلان بـ"التآمر لاستغلال النظام المالي الأمريكي لإجراء صفقات بمئات ملايين الدولارات نيابة عن الحكومة الإيرانية ومؤسسات إيرانية أخرى، محظورة بموجب العقوبات الأمريكية" بين عامي 2010 و2015. يقول يالتشين: "إذا لم تخفف الولايات المتحدة موقفها بشأن القضايا العالقة حقيقةً مع تركيا، أخشى أن العلاقات ستستمر على هذا الوضع".

ويذكر أن العلاقات التركية الأمريكية تدهورت بسبب دعم الولايات المتحدة للفرع السوري لتنظيم بي كي كي المدرج على لائحة الإرهاب في كل من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حزب الاتحاد الديمقراطي (بي يي دي) وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، المدعوم حاليًا من قبل واشنطن.

وتعد أنقرة كلًا من بي يي دي ووحدات حماية الشعب منظمة إرهابية، رغم إعلان واشنطن بأنها الشريك الأفضل لها في قتال تنظيم داعش. في حين ترى تركيا أنه لا فرق بين بي كي كي وبين بي يي دي ووحدات حماية الشعب.

علاوة على ذلك، توترت العلاقات كذلك بسبب تأخر إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في إعلان دعمها للحكومة المنتخبة ديمقراطيًا في تركيا بعد محاولة الانقلاب الدموية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016 على يد ضباط وموظفين في الدولة التركية تتهمهم الحكومة التركية بالانتماء لمنظمة غولن، التي يرأسها فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1999.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!