ترك برس

تشهد علاقات تركيا مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، أزمة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، زادت حدّتها على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، حيث انتهج قادة الغرب موقفًا غامضًا اعتبرته أوساط سياسية بمثابة دعم لعناصر انقلابية ضد حكومة شرعية منتخبة.

وفي أكثر من مناسبة، أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الغرب لا يريد لتركيا أن تكون دولة ديمقراطية قوية، وانتقد ردود الأفعال الغربية على الإجراءات التي اتخذتها أنقرة بعد المحاولة الانقلابية منتصف يوليو/تموز 2016.

وخاطب أردوغان المسؤولين الغربيين الذين ينتقدون الإجراءات التي اتخذتها السلطات التركية، قائلا "أرسلوا ممثليكم ليروا ما فعله الانقلابيون ببلد ديمقراطي، وضد النظام". وشدد على تمسك الشعب بالديمقراطية، مشيرا إلى تصدي المواطنين للانقلابيين.

وتعدّ الأزمة التي تمر بها علاقات تركيا مع الدول الغربية، متعددة الأبعاد وتأتي في إطار مساعي السيطرة على تركيا وتوجيه سياساتها الخارجية، والحد من "كونها لاعبا يتحرك بصورة مستقلة"، وفق رأي البروفسور فؤاد كيمان، مدير مركز إسطنبول للسياسات.

ويقول كيمان، في تقرير تحليلي نشرته وكالة الأناضول الرسمية، إن علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وألمانيا من أهم عوامل إرساء السلام والأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي، غير أنها تشهد بالوقت الراهن أزمة، وحالة خطيرة للغاية من عدم الثقة.

الأسوأ من ذلك، هو أن هذه الأزمات لم نشهد مثلها من قبل، وتعدّ مؤثرة للغاية، كما أن حلّها يزداد صعوبة مع مرور الوقت. ولا يمكننا التفكير حول الأزمة والمرحلة التي وصلتها، بمعزل عن تصورات الولايات المتحدة وألمانيا، حيال سقف حرية تركيا في تبني سياسة خارجية مستقلة، وتحركها كقوة إقليمية مؤثرة.

ولعل سؤال "إلى أي حد ستكون تركيا مستقلة ومؤثرة على الصعيدين الإقليمي والعالمي"، أكثر ما يشغل بال صناع القرار في الولايات المتحدة وألمانيا. فلما يعد هناك نقاش هل "نكسب تركيا أم نخسرها"، في الغرب بشكل عام، وإنما "ماذا سنفعل مع تركيا، وكيف ستكون طبيعة علاقتنا معها".

ويقول كيمان إنه عندما نتطرق إلى ما يعكر صفو العلاقات التركية الأمريكية، فإننا لا نتحدث عن أزمة واحدة وإنما 3 أزمات على الأقل لها قسط من الأهمية، يمكننا سردها على النحو التالي:

- الأزمة المتعلقة بموقف الولايات المتحدة الغامض تجاه منظمة "فتح الله غولن" الإرهابية، وتسليم زعيمها إلى تركيا، وهي أزمة تتفاقم منذ محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو (2016).

- الأزمة الناجمة عن التعاون والتحالف الذي تقيمه الولايات المتحدة مع تنظيم "ب ي د/ي ب ك"، خلال حربها مع تنظيم "داعش" الإرهابي، في سوريا والعراق، تتعاون معه في حين تعتبره تركيا ذراعًا لمنظمة "بي كا كا".

- الأزمة السياسية – القانونية التي بدأت على خلفية اعتقال رجل الأعمال التركي من أصل إيراني "رضا صرّاف" في الولايات المتحدة، واستمرت مع قرار اعتقال وزير الاقتصاد التركي الأسبق ظفر تشاغليان، ومسؤولي بنك "خلق" الحكومي التركي.

لا شك أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة شهدت العديد من الأزمات عبر التاريخ، لكنها لم تشهد أزمة كبيرة ومتعددة الأبعاد والجوانب كالتي تشهدها اليوم، وسط تفاقم حالة عدم الثقة وتعقّد الأزمات بين هذين الفاعلين.

وفي وقت سابق، رأى الرئيس رجب طيب أردوغان أن زعيم الانقلابيين "فتح الله غولن" -المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية- ما هو إلا "بيدق" تديره إحدى الجهات لزعزعة الاستقرار في تركيا، كما أكد أن غولن -كشخص- ليست لديه القدرة على تدبير كل ما حدث مؤخرا.

من جهة أخرى، تُعدّ أزمة العلاقات التركية الألمانية متعددة الأبعاد أيضًا، وتتفاقم بشكل أكبر مع مرور الأيام، وتتمثل فيما يلي:

- الموقف الألماني الغامض تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والمتورطين فيها.

- موقف برلين غير الواضح تجاه منظمة "بي كا كا".

- حرب التصريحات والخطابات بين مسؤولي البلدين.

- رغبة ألمانيا في تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بصيغة رسمية.

- استغلال ألمانيا للأزمة في الانتخابات العامة المرتقبة.

وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الأزمة بين تركيا وألمانيا، أزمة متعددة الأبعاد، وحالة عدم الثقة بين هذين الفاعلين بلغت مستويات متقدمة، كما أنها ليست مقتصرة على برلين لوحدها، وإنما تعيشها بروكسل أيضًا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!