مريم غيبري – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

قام عبد الفتاح السيسي، بانقلاب عسكري على أول رئيس جمهورية منتخب في مصر، على محمد مرسي، أمام أعين العالم، فماذا كانت ردة فعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية؟ لا شي، حتى إنهم لم يصفوا ما حصل "بالانقلاب".

ففي وقت مماثل لهذه الأيام من العام الماضي، انقلبوا على الحكومة المصرية المنتخبة، وقاموا بسجن رئيس الوزراء وكل وزراء الحكومة بتهم عدة، لكن هدفهم الحقيقي كان السيطرة على الحكم.

سيطروا على أجهزة الدولة، على السلطة وعلى القضاء وعلى كل مفاصلها، ليشكلوا شبكة شر في وجه الشعب المصري، فماذا قال الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عن هذا الانقلاب البغيض؟ لا شيء.

وليس بعيد عن مصر، قام نظام البعث في سوريا، وعلى رأسه بشار الأسد، بقتل آلاف مؤلفة من السوريين بصورة لم يسبق لها مثيل، فماذا كان رد فعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية؟ أيضا لا شيء.

وما بين سوريا ومصر، قامت إسرائيل بقصف المدنيين العزل في قطاع غزة، وقتلت منهم ما يزيد عن 500، وأحدثت دمارا شاملا واستخدمت عنفا مفرطا، فماذا كان رد فعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وحليفهما التنظيم الموازي؟ لا شيء.

***

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا حصل لنفس الاتحاد الأوروبي ولنفس الولايات المتحدة ليصرخا بتلك الصورة في وجه تركيا منذ ثلاثة أسابيع؟ وما حجم الألم الذي تعرضوا له ولمواليهم في الداخل ليصرخوا بتلك الطريقة المفاجئة؟ فعندما يصبح الهدف اردوغان، يرصون الصفوف وويحدون كلمتهم وأفعالهم ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة من أجل الإطاحة به أو التأثير عليه.

الذين قالوا في الأمس فيما بينهم، وخلف الأبواب المغلقة: "اردوغان سيرحل"، سواء من الصحفيين، أو من الأحزاب، أو من القوات التلفزيونية، أو من الكتاب والمثقفين، كل أولائك اليوم تبين لنا أنهم جزء لا يتجزأ من "التنظيم الموازي".

 

*** 

ما سبب "عويل" الاتحاد الأوروبي اليوم بأن تركيا "تقتل حرية الصحافة"؟

سبب اتحاد التنظيم الموازي مع الاتحاد الأوروبي ومع الكماليين وحتى مع اليساريين، سبب اتحادهم جميعا ليس للاحتجاج على حرية الصحافة، وإنما بسبب الحملة التي جرت ضد مجموعات "مؤامرة تاهشية"، والذين تم استجوابهم خلال الأيام القليلة الماضية.

قيام الجمهورية التركية بحملة كبيرة ضد مجموعة تابعة "لرسالة النور"، والتي تتبع فتح الله غولن، حيث تبين قيام 122 شخص من الذين وصلوا لمراكزهم بطريقة غير شرعية، قيامهم بتكوين "مجموعة مؤامرة"، هدفها الإطاحة بالحكومة، فاستجواب هؤلاء جعلهم يصرخون ويتهمون الدولة بأنها تقوم "بحملة ضد الإعلام المستقل"، فالاتحاد الأوروبي الذي لم يدن السيسي، ولا الأسد ولا إسرائيل، يصرخ الآن ضد تركيا!

***

تحدث اردوغان عن هذا الموضوع يوم أمس، خلال افتتاحه خط القطار السريع الواصل بين اسطنبول وقونيا، حيث قال:

"يخرج أحدهم من الاتحاد الأوروبي ليصدر حكم فوري على عملية قضائية حصلت في تركيا، هؤلاء الذين لا يزالون يلعقون أصابعهم وبنفس الوقت يريدون تقديم النصائح لتركيا، عليهم أن يدركوا أن تركيا اليوم ليست تركيا الأمس، يعتقدون أنهم سيعطون تركيا درسا في الديمقراطية! فليأتوا إلى هنا ليتعلموا من تركيا دروس الديمقراطية".

وأثناء ذكره موضوع طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي، والذي قدمته تركيا قبل 55 عاما، وكيف أن الاتحاد الأوروبي تلاعب بتركيا طيلة هذه الفترة، يقول اردوغان:" نحن لسنا مغرمون بالانضمام للاتحاد الأوروبي، إذا أرادوا أن يضمونا كأمة واحدة فليفعلوا، وإلا فلا".

***

فلينظر إعلام الاتحاد الأوروبي أولا، إلى اللاجئين الذين يموتون في عرض البحر، وليتحدث عن المحرومين الآسيويين الذين يمارسون تجاههم أساليب غير قانونية ولا إنسانية من أجل منع دخولهم لدولهم.

فليتحدث إعلامهم، عن أنّ جميع دول الاتحاد الأوروبي استقبلت 130 ألف لاجئ خلال السنوات الثلاثة الماضية، فيما استقبلت تركيا لوحدها أكثر من 2 مليون لاجئ، فليتحدثوا عن دولهم قبل أن ينطقوا اسم تركيا.

وأما ما يقوله إعلام أمريكا فأصبح لا يهمنا على الإطلاق، فقد ثبت نفاقهم ونفاق الاتحاد الأوروبي في التعامل مع موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلم يدينوا أحداث 17 كانون أول/ديسمبر، والتي أول ما نسمع بسمها يتبادر إلى ذهننا خيانة الجمهورية التركية على يد ذراعهم الممتد وهو التنظيم الموازي.

عن الكاتب

مريم غيبري

كاتبة في صحيفة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس