محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

مع انهيار الاتحاد السوفييتي، كنا ننتظر بشغف كيف سيتشكل النظام العالمي الجديد، في تلك الأثناء، بدأ المفكرون الغربيون، والمثقفون، بنشر رؤيتهم وتوقعاتهم لمرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي.

بعد الحرب الباردة، إنهار نظام القطبين في العالم، وهذا أدى إلى تغيير معادلات القوى الاقتصادية، وهذا بدوره أدى إلى تغيير معادلات القوى السياسية، وإلى تغيير النظام السياسي العالمي.

يعيش المجتمع الدولي اليوم، حالة من عدم الاستقرار، حيث لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، أن تكون القوة المهيمنة الوحيدة في العالم، لأنها لم تستطع لوحدها حل المشاكل وتجاوز العقبات، لتبدأ بالتقارب أكثر مع روسيا، وهذا يعني تغيير عميق في شكل النظام السياسي العالمي في هذه الفترة.

اليوم، تخرج أمريكا من مشهد كانت فيه الدولة القائدة الوحيدة لهذا العالم، ووضع الاتحاد الأوروبي أيضا لا يختلف كثيرا عنها، فهذا الاتحاد، والذي يعتبر نفسه نبراسا للحرية والديمقراطية، بقي صامتا أمام الانقلاب في مصر، وأمام المجازر الدموية في سوريا.

يرى كثير من المفكرين، أنّ هذا هو المؤشر الأول، لبداية نهاية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، حيث يتوقعون أن ينتقل مركز القوى في العالم من الغرب إلى الشرق، أما محاولات الإبقاء على الوضع الراهن في الشرق الأوسط، وتخفيف الأضرار، لن يفيد سوى بزيادة قليلة في عمر أمريكا والاتحاد الأوروبي.

هذه الحقيقة، أشار إليها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، السيد "هنري كسنجر"، والذي كتب عن هذا الموضوع في إحدى كتبه، حيث يرى أن الدول المهيمنة في العالم تتغير تقريبا كل قرن.

في القرن السابع عشر كانت فرنسا مهيمنة، وفي القرن الثامن عشر أصبحت بريطانيا، وحسب "كسنجر"، فإن دخول أمريكا إلى ساحة السياسة العالمية في العام 1917، بقوتها الاقتصادية، فإن "أوروبا لن تستطيع العودة إلى قيادة العالم بعد كارثة الحرب العالمية الأولى، فأمريكا عندما دخلت الساحة الدولية، كانت دولة جديدة، وقوية، وكان لديها قوة على إقناع الدول بسياستها للعلاقات الدولية، حيث كان 35% من اقتصاد العالم بيدها لوحدها عام 1945، وبتلك القوة استطاعت تحقيق النصر في الحرب الباردة".

وعندما أراد "كسنجر"، عمل مقارنة بين أمريكا وبين الدول الأخرى أثناء الحرب الباردة، يقول:"الاتحاد السوفييتي السابق كان لديه قوة عسكرية خارقة، لكنه كان قزما من حيث القوة الاقتصادية، بينما كانت اليابان صاحبة قوة اقتصادية ضخمة، إلا أن قوتها العسكرية لم تكن موجودة أو لم تكن تذكر حتى".

استمر هذا الأمر حتى سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، وبالنسبة "لكسنجر"، فإنه يرى أنّ هذا التاريخ هو إعلان قُرب نهاية الولايات المتحدة الأمريكية، والأخيرة تسعى الآن إلى تثبيت نفسها مجددا بكل ما أوتيت من قوة، فحاليا، "أمريكا لم تنسحب من المشهد كاملا، ولكنها بنفس الوقت غير قادرة على بسط سيطرتها الكاملة"، حسب ما يرى "كنسغر".

القوة العسكرية الأمريكية ستتراجع وستقل، ولأنه لا يوجد عدو واضح، فإن أمريكا ستعيش أزمات داخلية، وعوامل ضغط من الداخل، وهذا الأمر قد بدأ فعليا، وذلك لأن هناك عدة دول كبيرة خرجت في وجه أمريكا، وهناك اتفاقات وتحالفات تجري على الصعيد الدولي، فهناك الصين، واليابان وروسيا والهند، وعدة دول أخرى متوسطة القوة، ولا شك أن تركيا هي من إحدى تلك الدول.

ما قاله اردوغان في الفترة الأخيرة، أن العالم أكبر من خمسة، يعني أنه سيضغط على المحور الغربي، مدعوما من الداخل بحاضنة شعبية قوية، ليكون ذلك آلام مخاض جديد، لميلاد نظام عالمي جديد.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس