حمزة تكين - خاص ترك برس

كنت أتمنى أن أبدأ هذه المقالة بـ"تحيي الأمة الإسلامية جمعاء اليوم الذكرى المئوية الأولى لوفاة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله تعالى"، ولكن مع الأسف هذا الأمر غير متحقق ولذلك ستبدأ المقالة بصيغة أخرى.

تحيي تركيا اليوم الذكرى المئوية الأولى لوفاة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله عام 1918، وهو خليفة المسلمين الثاني بعد 100، والسلطان 34 من سلاطين الخلافة الإسلامية العثمانية.

اليوم نحن في حضرة ذكرى ليست بالعابرة، إنها 100 عام على وفاة هذا السلطان العظيم المفترى عليه، المتآمَر عليه، الرجل الذي تعرض للظلم من بني جلدته قبل غيرهم، رجل كل سيرته عبر ودروس لمن يفقه القراءة والتعلم.

أشهر ما نعرفه عن هذا العظيم، قصة جهاده ضد الصهاينة في سبيل حماية أراضي المسلمين (فلسطين).

وتتلخص هذه القصة، يوم أن قام رئيس الجمعية الصهيونية "هرتزل" ـ وبعد الكثير من الوساطات ـ بزيارة السلطان عبد الحميد، مقدما الأموال الطائلة والذهب الكثير والدعم الكبير مقابل أخذ فلسطين كوطن لليهود، لكن السلطان رحمه الله رفض رفضا شديدا وطرده من مجلسه وقال قوله المشهور :"إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل.. إن فلسطين ليست ملكا خاصا بي إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع.. وربما إذا تفتت دولة الخلافة يوما ما، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل"، وبعد هذه الحادثة أصدر رحمه الله فرمانا منع بموجبه هجرة اليهود إلى فلسطين.

وفي مثل هذا اليوم قبل 100 عام توفي هذا السلطان العظيم الكبير المفترى عليه، عن عمر 76 عاما، وعن لحظات وفاته رحمه الله ذكرت الأميرة عائشة :"كان وكأنما يودع من حوله آنذاك، وقبل لحظات من وفاته أخذ رشفة من القهوة، وقبل أن يأخذ الثانية انسكبت القهوة على كف أمي، وقال بصوت عال ((الله)) وتوفي بعدها على كتف أمي".

الدعوة اليوم في هذه الذكرى لإعادة  قراءة حياة هذا الرجل الصالح المحب لأهل الله ولأهل الصلاح، وإعادة قراءة تلك الفترة الزمنية التي عاش وجاهد فيها، علنا نفقه ما يحصل اليوم فنتجنب المآمرات وننجح في الاستراتيجيات.

واليوم وفي هذه الذكرى لا بد من الإشارة لمن يحمل حقيقة وبدون مبالغة راية هذا السلطان ويعمل جاهدا على الاستفادة من دروسه السلطانية في الحكم ومفهوم الأمة الواحدة القوية، وهو حامل الراية في هذا الزمن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحاول البعض الإساءة له من خلال تشبيهه بالسلطان عبد الحميد خان رحمه الله، وهو لا يدري في الحقيقة أنه يمدحه ويمجده.

وهذا الحال منتشر كثيرا في العديد من الصحف ووسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية وكذلك في كثير من وسائل الإعلام الغربية، الذين يشبهون أردوغان بالسلطان عبد الحميد خان من باب الإساءة، ولكن لا يدرون أنهم يفرحون أردوغان ويفرحوننا بهذا الأمر.

نعم اليوم التاريخ يعيد نفسه، فالمؤامرات نفسها التي حيكت ضد الخلافة الإسلامية العثمانية وضد خليفة المسلمين عبد الحميد خان، تحاك اليوم ضد وريثة الخلافة "الجمهورية التركية" ورئيسها الطيب أردوغان، ولكن وبإذن الله تعالى فإن ما نجحوا به قبل أكثر من 100 عام لن ينجحوا به اليوم.

لن ينجحوا لأننا حقيقة في مرحلة "قيامة أردوغان" بعد 100 عام من وفاة عبد الحميد خان.. "قيامة أردوغان" ليست قيامة شخص بعينه بل قيامة أمة كاملة لن ترضى بعد اليوم أن تعيش كما عاشت المائة عام الماضية، مهما كلف الأمر ومهما كانت الفاتورة مرتفعة.

"قيامة أردوغان" تعني دولة قوية أصبحت اليوم ـ تحقيقا لحلم السلطان عبد الحميد خان ـ صاحبة تأثير قوي في الإقليم والعالم، لا يمر أمر في هذه المنطقة لا ترضى به، وهي اليوم لا ترضى بما يحصل من قتل وتدمير هنا وهناك، فكان التحرك وكانت القيامة.

القيامة مستمرة حتى تبديد ما يحاك لنا اليوم، وحتى قطع الأيادي التي رسمت الشرق الأوسط الجديد وفقا لمصالحها البعيدة عن مصالح أهل هذه المنطقة وسكانها الأصليين الذين عاشوا يدا واحدة في عهد الخلافة الإسلامية العثمانية قبل أن يأتي المستعمر ويفرقهم قوميات وأعراق وطوائف ومذاهب، بعد أن تمكن من التخلص من السلطان عبد الحميد خان... بالأمس تمكنتم ولكن اليوم لن تتمكنوا.

التعطش لـ"القيامة" مهما كانت هذه "القيامة"، ولكن شاءت الأقدار أن تكون اليوم "قيامة أردوغان"، واضح وجلي في مشارق الأرض ومغاربها، عند غير المذبذبين من المسلمين... سيروا في الأرض وسترون حقيقة هذا الأمر.

وما الترحيب الكبير الذي تلقاه تركيا ورئيسها في مختلف دول العالم إلا شاهد على هذا التعطش لأيام كأيام السلطان عبد الحميد خان، وإن أردنا الزيادة هنا فإننا نشير إلى الترحيب الكبير والواسع جدا الذي لقيه الجيش التركي مساء أمس في سراقب بعمق محافظة إدلب، وقبله في ريف حلب ومناطق درع الفرات... ترحيب وأفراح أقيمت تغني عن كثير من الشرح والمقالات والتحاليل.

في ذكرى 100 عام على وفاة السلطان عبد الحميد خان.. "قيامة أردوغان" مستمرة ولن نترك دعمها طالما أن نبراسها مسيرة يزيد عمرها عن 1400 عام، وطالما أن نبراسها طريق سرمه السلطان عبد الحميد خان.

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس