ترك برس

بدأ اهتمام السلاطين العثمانيين بمكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف في فترة مبكرة من بداية الدولة العثمانية، وحتى عندما كانت منطقة الحجاز لا تزال تحت حكم المماليك بدأ السلطان العثماني محمد جلبي (محمد الأول) تقليد إرسال موكب "الصرة الهمايونية" إلى الحجاز. تناول هذه الخدمات الباحث التركي أكرم بوغرا إكينجي في مقالة بصحيفة ديلي صباح.

موكب الصرة الهمايونية

كان ينطلق الموكب كل سنة من إسطنبول بصحبة موظفين رسميين إلى الأراضي المباركة محملا بالهدايا والأشياء القيمة من شمعدانات وستائر إضافة إلى هدايا لعلماء الحجاز وأموال لتوزيعها عى الفقراء.

كان بعض أفراد الشعب أيضا يرسلون الهدايا والصدقات إلى الحجاز مع موكب "الصرة الهمايونية" وكان لبعض الناس في إسطنبول فقراء باﻷراضي المقدسة يبعثون لهم خصيصا.

كما كان المتوجهون إلى مكة ﻷداء فريضة الحج من أهالي اﻷناضول يلتحقون بالموكب في الطريق، وكان السلاطين يوكلون من يؤدي عنهم فريضة الحج، وهو عذر شرعي بحكم انشغالهم بأمور الحكم وأحوال الرعية.

ومن المعتاد أن من يترأس الموكب هو وكيل السلطان، ويطلق عليه "أمين الصرة"، وينطلق الموكب من إسطنبول بمراسم ضخمة، وقد استمر هذا التقليد حتى عام 1916.

الحرم النبوي 

أرسل السلطان مراد الثالث الذي حكم ما بين (1595-1574)، في عام 1590، المنبر الحالي للحرم النبوي، والذي يضم 12 درجة من الرخام.وقام السلطان محمد الثالث الذي حكم ما بين (1603-1595) بتجديد المئذنة الموجودة فوق باب السلام بالحرم النبوي، وشيّد قبة ومئذنة فوق البيت الذي ولد فيه النبي ﷺ والذي تحول إلى مسجد.

البناء الحالي للكعبة

كانت كسوة الكعبة ترسل دائما من القاهرة، ولكن في عهد السلطان أحمد الأول الذي حكم ما بين (1617-1603)، بدأ إرسالها من إسطنبول في كل عام.

أنشأ السلطان أحمد الأول ورشة خاصة لها بمنطقة بيلر بي في إسطنبول (حاليا مسجد بيلر بي في مكان الورشة)، كما كان الشمع الخاص الذي يضيء الحرم الشريف يصنع بنفس الورشة، وأرسل قنديلين مرصعين باﻷلماس لتعليقهما في الحرم المسجد الحرام والمسجد اﻷقصى.

تعرض بناء الكعبة ﻷضرار كثيرة بسبب السيل، أما البناء الفخم الحالي للكعبة فقد أمر بتشييده السلطان مراد الرابع، الذي حكم ما بين (1640-1623). وتخليدا لذكراه أطلق على أحد أبوابها "الباب المرادي”، والباب الذي أمر السلطان مراد الرابع بصنعه للكعبة كان من الذهب الخالص (محفوظ اليوم بمتحف مكة المكرمة).

ومنع العثمانيون تشييد أي مبنى هناك أعلى من الكعبة ومن قبر النبي ﷺ، ولهذا السبب كان يمكن في السابق رؤية كليهما من بعيد بمنتهى السهولة.

أمر السلطان محمد الرابع، الذي حكم ما بين (1687 -1648) بترميم مآذن الحرم، وتوسعة مكان الطواف، وفرش اﻷرضية بنوع خاص من الحجارة لا يتأثر بالحرارة حتى لا تصاب أرجل الحجاج أثناء الطواف، كما أمر بتعليق العديد من القناديل في الطريق من الصفا إلى المروة.

قام السلطان مصطفى الثاني الذي حكم ما بين (1703 -1695) بتجديد المئذنة ذات السلم المستدير المكون من 27 درجة والمحاذية للركن العراقي في الحرم.

وأمر بصنع حافظة للحجر اﻷسود، كما قام بتجديد ثلاثة من اﻷعمدة الستة الموجودة داخل الكعبة (وهي اﻵن موجودة في متحف مكة). كذلك أمر بترميم مسجد قباء وإنشاء مئذنة له، وأمر بتنظيف مجاري المياه.

المولد النبوي في مكة

كان السلطان مصطفى الثاني، أول من بدأ تقليد قراءة المولد كل سنة في مكة، ففي ليلة المولد النبوي الشريف كان الناس يتجهون بعد صلاة العشاء للمسجد المقام مكان بيت النبي حاملين الشموع، ثم يأخذون بالدعاء هناك.

وقام السلطان أحمد الثالث، الذي حكم ما بين (1730 -1703) بتجديد أرضية مكان الطواف، وقام عبد الحميد اﻷول بترميم المسجد الحرام ومقام إبراهيم.

كما أمر ببناء مدرسة ومكتبة في المدينة المنورة، وقام بتعليق القصيدة التي تتغنى بحب الرسول ﷺ (التي تدل على تبجيل وحب السلاطين العثمانيين للنبي) في الغرفة التي تضم قبره الشريف وقبر صاحبيه أبو بكر وعمر، والتي يطلق عليها "حجرة السعادة”. وقد نزعت هذه القصيدة عام 1922، ﻷنها لا توافق العقيدة الرسمية للإدارة السعودية.

القبة الخضراء

في عهد السلطان سليم الثالث، ثار الوهابيون في نجد وسيطروا على الحجاز و قاموا بهدم الضرائح والمساجد وأماكن الزيارة، وحولوا الحرمين إلى صحراء.

وكانت الدولة العثمانية تعاني أزمات أخرى كثيرة، فاوكلت مهمة قمع هذا التمرد إلى محمد علي باشا والي مصر.

وبعد أن تمت السيطرة على الوضع هناك، أعاد السلطان محمود الثاني الذي حكم ما بين (1838 -1808) إحياء كل هذه اﻵثار من جديد، وأمر ببناء القبة الموجودة فوق قبر النبي ﷺ، والمصنوعة من الطوب والرصاص ويطلق عليها القبة الخضراء.

ولم يجد السلطان محمود الثاني فرصة لإعادة بناء اﻵثار المهدمة في مكة والمدينة لانشغاله بالقضاء على التمرد في مصر والمورا وحادثة اﻹنكشارية والحرب مع روسيا وغيرها.

قام السلطان عبد المجيد (1861-1839)، الذي أتى بعده، ببذل جهود كبيرة لتجميل وتزيين مكة والمدينة واﻵثار التي شيدت هناك، وعُرِفَ السلطان عبد المجيد بأنه كان من أكثر الحكام المسلمين خدمة للحرمين الشريفين.

جهود كبيرة

قام السلطان عبد المجيد بترميمات كبيرة في الكعبة والمسجد الحرام، وقام بإعادة إنشاء الحرم النبوي من جديد طبقا لحاله اﻷصلي، ودون أن تتغير أماكن أعمدته ولا يزال هو القائم اليوم.

ولا يزال الباب الذي أضافه إلى المسجد يحمل اسمه حتى اﻵن "الباب المجيدي"، كما حفرت الطغراء الخاصة به عليه، وقام السلطان بترميم وتوسعة القناة المائية في المدينة المنورة "عين اﻷزرق”.

وقام السلطان أيضا، بكتابة اسمه بيده أسفل اﻷحجار المخصوصة التي أرسلها ليتم وضعها في حجرة قبر النبي ﷺ،حتى يكون اسمه أسفل أقدام الحجاج

ورفض الكلمات التي أعدت من أجله لنقشها فوق أحد أعمدة باب السلام بالحرم، وقال إن "السلطنة في الدنيا واﻵخرة للرسول ﷺ”.

وأمر بوضع نموذج مصغر 53 مرة للحرم النبوي الشريف، داخل مسجد الخرقة الشريفة في إسطنبول، وكان يتابع أعمال التوسعة والتجديد في الحرم النبوي من خلال التقارير التي تقدم له ويتم شرحها على ذلك النموذج.

قبل موت السلطان عبد المجيد بيوم واحد، وهو في فراش المرض، كان يستمع إلى الرسائل والطلبات المهمة التي تقرأ عليه، وعندما هم قارئ الرسائل بقراءة خطاب جاء من أهالي المدينة المنورة، أمره السلطان بالإنتظار حتى يعتدل في جلسته، وطلب من الحاضرين أن يساعدوه على الجلوس. وقال السلطان: "إنهم جيران النبي ﷺ، وأخجل أن استمع إلى طلباتهم وأنا مُستلقٍ، افعلوا كل ما يطلبونه على الفور، ولكن فلتقرؤوا لي الرسالة حتى تنال أذني البركة”.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!