د. علي حسين باكير - القبس

على خلاف معظم التوقعات التي صدرت من المراكز الغربية، أنهت القوات المسلحة التركية بالتعاون مع قوات الجيش السوري الحر تقدّمها العسكري في عملية غصن الزيتون بدخول قلب مدينة عفرين في اقصى شمال غربي سوريا صباح أمس. وعلى الفور، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيطرة بشكل كامل، على مركز مدينة عفرين بريف محافظة حلب السورية، مشيرا الى انّ «رموز الأمن والسكينة ترفرف في المدينة بدلاً من أعلام الإرهاب».

وبذلك، تكون عملية غصن الزيتون قد نجحت في تحقيق أهدافها الرئيسية خلال أقل من شهرين على انطلاقها، وتم خلالها إنشاء حزام أمني على حدود تركيا مع عفرين، وتطهير المنطقة الواقعة خلفه وصولا الى قلب المدينة وطرد عناصر الميليشيات الكردية منها. وقد فقد الجانب التركي خلال العملية حوالي ٤٧ جنديا، فيما خسرت قوات الجيش السوري الحر حوالي ١٥٩ عنصراً من عناصرها، واستطاعت في المقابل تحييد حوالي ٣٤٦٩ عنصرا من عناصر ميليشيات (YPG) الكردية بحسب المعلومات الرسمية التركية.

هذا التطور المفاجئ في سرعة ووتيرة العمليات يعني انّ الجانب التركي استفاد من تجربته التي خاضها في عملية درع الفرات، وبدا من الواضح هذه المرة انّ التخطيط والتنفيذ السليم للعملية قد ساهم في تسريع وتيرة المكاسب على الأرض والتخفيف من الاضرار الجانبية في صفوف المدنيين او المنشآت المدنية الى أقصى حد ممكن في مقابل الاستهداف الدقيق والفعّال لعناصر المليشيات الكردية، وهذا ربما ما يفسر في جزء منه عدم قدرة الميليشيات الكرديّة على الصمود طويلا وتقهقرها الى داخل عفرين ومن ثمّ انسحابها من هناك الى مناطق سيطرة نظام الأسد كما نقلت العديد من التقارير.

دعم متنوع
بعد السيطرة على قلب المدينة، وجدت القوات المشاركة في عملية غصن الزيتون العديد من مخازن الاسلحة الضخمة، وأثناء مصادرتها كان لافتاً تواجد العديد من الأسلحة الأميركية والإيرانية الصنع الى جانب تلك الروسية، من بينها مضادات للدروع أميركية وايرانية، وهو مؤشر على حجم وتنوّع الدعم الذي تلقاه الميليشيات الكردية في العموم.

لا شك انّ الانتصار السريع في عفرين، هو رصيد إضافي للقيادة التركية، وقد جاء دخول المدينة متزامنا مع الاحتفال في تركيا بذكرى معركة جناق قلعة التاريخية خلال الحرب العالمية الاولى ليعطي زخماً أكبر للحدث على المستوى الشعبي. لكن يجب الا يشتت ذلك انتباه المراقبين الى أنّ الامور لم تنته بعد، وانّ هناك حاجة لأن يتدارك الجانب التركي الأخطاء غير المقصودة التي ارتكبها أثناء العملية، وأن يعمل على طمأنة المدنيين.

القيادة التركية أرسلت مؤشرات على أنّها واعية لمثل هذا الأمر، اذ قال الرئيس التركي «لم نقدم على أي خطوة من شأنها أن تلحق الأذى بالمدنيين لأننا لم نتجه إلى هناك للاحتلال وإنما للقضاء على المجموعات الإرهابية فحسب»، مؤكدًا أن بلاده ستقوم بإعادة تأهيل مدينة عفرين ومركزها والبنية التحتية فيها، وستتيح الفرصة لسكان المدينة في العودة إلى منازلهم.

لا شك انّ هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، وسيكون من المثير متابعة ردود الأفعال على دخول القوات التركية مع حلفائها من عناصر الجيش الحر الى عفرين، لا سيما الموقف الأميركي. من المتوقع ان يساهم الحسم السريع في عملية غصن الزيتون في تحفيز الجانب التركي لإثارة قضية منبج بشكل أكبر وأسرع مما كان متوقعا، وهو ما يعني انّ الكرة باتت في ملعب الولايات المتّحدة الآن، فإما ان تأخذ زمام الأمور وتتفق مع الجانب التركي على منبج، وإمّا أنّها ستواجه تركيا مسلّحة هذه المرة بالمزيد من التقدّم على الأرض والمزيد من المكاسب والمزيد من القوّة.

من المنتظر ان يعزز الانتصار المبدئي لتركيا في عفرين موقفها كذلك في مقابل روسيا وإيران، وقد يساعد ذلك على حلحلة بعض العقد التي تعمل الأطراف الثلاث على التفاوض حولها بشكل جماعي، أو ربما قد يعزز لاحقاً من التنافس وربما التوتر بينها، وذلك إعتماداً على المسار الذي ستسلكه موسكو وإيران في المرحلة المقبلة، لاسيما إزاء إجبار الأسد على الالتزام بما يتم التوصل إليه من تفاهمات.

على كل، سنضطر الى الانتظار بعض الوقت قبل الدخول في هذه التفاصيل، واذا ما قررت الميليشيات الكردية مواصلة التحدّي بطرق وأشكال مختلفة، فقد يعقّد ذلك الأمر على جميع الأطراف، لكن مثل هذا الخيار سيثبت انّه مكلف بالنسبة لها.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس