ترك برس

بعد اقتراب سقوط الغوطة الشرقية، آخر معقل لمقاتلي المعارضة قرب دمشق، تستقطب إدلب اهتمام روسيا وتركيا، ويتوقف مصيرها، بحسب محللين، على قدرة أنقرة على توسيع سيطرتها في شمال غرب سوريا عبر تقليص نفوذ هيئة تحرير الشام، اللاعب الأقوى ميدانيا.

وتسيطر هيئة تحرير الشام حاليا على نحو 60 في المئة من إدلب الحدودية مع تركيا، بينما تنتشر فصائل أخرى وفصائل تابعة للجيش الحر في مناطق أخرى. وتمكنت قوات النظام مؤخرا من استعادة السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري وعشرات القرى والبلدات في ريف إدلب الجنوبي الغربي.

ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيك هاريس إن إدلب "موضع سباق بين روسيا وتركيا، وسيعتمد مصير المحافظة على تصميم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تحدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا".

ويضيف "يتجمع أكثر خصوم الأسد شراسة في إدلب، وقد يغري الأمر روسيا كثيرا لإعطاء النظام الضوء الأخضر لشن هجوم في المحافظة".

وتؤوي إدلب هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى وعشرات الآلاف من المقاتلين الذين تم إجلاؤهم على مراحل من مناطق مختلفة بموجب اتفاقات مع دمشق، آخرها من الغوطة الشرقية بإشراف روسي مباشر.

وانضمت إدلب وأجزاء من محافظات أخرى مجاورة لها في أيلول/ سبتمبر إلى مناطق خفض التوتر في سوريا، بموجب محادثات أستانا التي ترعاها روسيا وإيران، الحليفة الأخرى للنظام، وتركيا الداعمة للمعارضة. وتطبيقا للاتفاق، انتشرت قوات تركية في ثلاث نقاط مراقبة داخل الحدود الإدارية لإدلب منذ مطلع العام. ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر أن هذا الانتشار منع "قوات دمشق من التوغل في الداخل الإدلبي".

ويجمع المحللون على أن تركيا التي تشكل إعادة مئات آلاف اللاجئين السوريين الموجودين لديها إلى سوريا أحد أكبر هواجسها ولطالما أيدت وجود منطقة عازلة قرب أراضيها، غير مستعدة لاستقبال موجات جديدة من النازحين قد يرتبها أي هجوم محتمل للنظام السوري على إدلب المكتظة سكانياً.

ويرى هيلر أن "إدلب لم تعد بين أهداف دمشق حتى إشعار آخر. ويتوقف مصير المحافظة على ما يدور خلف الكواليس من اتفاقات روسية تركية".

ويؤكد محللون أن هذه المحادثات هي التي باتت ترسم الخارطة الجديدة لسوريا بعد نزاع مدمر مستمر منذ سبع سنوات. ويلمح كثيرون إلى أن تدخل تركيا الذي أدى إلى انتزاع عفرين أخيرا من أيدي الأكراد يدخل ضمن إطار هذه التفاهمات. ويندرج في إطار هدف آخر للمنطقة العازلة المطلوبة تركيا، وهو إبعاد الميليشيات الكردية عن الحدود التركية.

إلا أن تركيا التي تدعم الفصائل الموجودة في إدلب لا تتمتع بالنفوذ نفسه على هيئة تحرير الشام. وبالتالي، فإن حسم مصير إدلب قد يمر بقتال داخلي جديد.

وتبقي هيئة تحرير الشام، بحسب هيلر "سيطرتها على مفاصل المنطقة الأكثر حيوية... وهي تمسك بالشريط الحدودي ومعبر باب الهوى بالإضافة إلى مدينة إدلب، مركز المحافظة".

وتتحكم بالحواجز الحدودية مع تركيا التي تتدفق البضائع والسلع عبرها من والى إدلب، وتؤمن تمويلها من خلالها.

وتحاول حكومة الإنقاذ الوطني التي تشكلت قبل أشهر في إدلب، وتعد بمثابة الذراع المدني للهيئة، فرض سيطرتها على المجالس المحلية والمنشآت المدنية، وتتحكم بمصادر الدخل الرئيسية كالمعابر والمحروقات وتفرض الضرائب تباعا على الأسواق والمحال التجارية.

ويربط تقرير لمجموعة الأزمات الدولية في شباط/ فبراير تماسك مكونات الهيئة، باعتبارها "اللاعب الأقوى في إدلب بالإضافة إلى كونها مصدراً مهماً للدخل والتوظيف".

القوة الحاسمة

وقبل أسابيع، انضوت حركة أحرار الشام، حليفة هيئة تحرير الشام سابقا، مع حركة نور الدين الزنكي، تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا". وشن هذا التحالف قبل بضعة أسابيع هجوما على مواقع لهيئة تحرير الشام وتمكن من طردها من عدد من المناطق أبرزها مدينتا أريحا ومعرة النعمان.

لكن يبدو إلحاق الهزيمة بهيئة تحرير الشام من دون مشاركة تركية مباشرة إلى جانب الفصائل المعارضة في إدلب أمرا صعبا.

ويعرب الباحث في المركز الدولي لدراسات التطرف في لندن حايد حايد عن اعتقاده بأن الهزائم التي منيت بها الهيئة مؤخرا "كسرت الهالة العسكرية" التي كانت تحيط نفسها بها على اعتبار أنها "قوة لا يمكن قهرها".

لكن هاريس يرى أن هيئة تحرير الشام تبقى "القوة العسكرية الأكثر نفوذا لناحية دهائها، أكثر من قوتها القتالية"، مشيرا إلى أنها "تحتفظ بسلطة منظمة اجتماعيا تجعلها بالفعل الأولى بين قوى متساوية".ويضيف: "تركيا وليس أي فصيل معارض آخر، ستشكل القوة الحاسمة ضد هيئة تحرير الشام".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!