ترك برس

في الثالث والرابع من نيسان/ أبريل الجاري زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا، في أول رحلة خارجية له بعد إعادة انتخابه. وجاءت الزيارة بعد أن تعزز التعاون بين البلدين خلال العامين الماضيين في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ولكن في المقابل هناك نقاط خلاف عميقة بين البلدين، فتركيا على سبيل المثال عضو في حلف الناتو، وروسيا مؤسس منظمة معاهدة الأمن الجماعي (المناهضة لحلف الناتو)، كما تعارض تركيا ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتعارض الدعم الروسي لنظام الأسد.

فما الذي يدفع أنقرة إلى التقارب مع موسكو رغم الخلاف العميق بينهما؟ يقول برونو سورديل المحلل السياسي في مركز العلاقات الدولية في وارسو، إن التقارب بين البلدين هو مجرد تكتيكات، لكنه لا يعني وجود مصالح مشتركة بينهما في المنطقة وفي العالم أيضا.

ويرى سورديل في مقابلة مع موقع يورو آسيا دايري، أن أول أسباب التقارب التركي مع روسيا يرجع إلى الدعم المستمر الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى وحدات حماية الشعب/ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والخطط الأمريكية للدور الذي ستضطلع به فروع  حزب العمال الكردستاني في سوريا. وقد كان ذلك بمثابة درس مؤلم للأتراك.

والشيء نفسه ينطبق على محاولة الانقلاب العسكري الساقط في تركيا، فقد أثار الموقف الرخو للأمريكيين والأوروبيين تجاه تنظيم فتح الله غولن الإرهابي" فيتو" غضب الأتراك. وفي المقابل كان رد فعل الزعيم الروسي أسرع و"أكثر صداقة". وقد أدى ذلك إلى دفع أنقرة للتقارب مع موسكو.

وعلاوة على ذلك أدرك الأتراك في عام 2016 أنه من الصعب تحقيق شئ ما في سوريا بدون روسيا. وكانت محاولة الانقلاب الساقط عاملا مهما في ذلك، ومن هنا بدأ التعاون بين البلدين في سوريا في حصد الثمار. وفي الآونة الأخيرة أثبتت عملية درع الفرات ثم عملية غصن الزيتون أن التعاون التركي الروسي مثمر وجدير بالثناء.

وحول الخلاف بين موسكو وأنقرة في سوريا المتعلق بالدعم الروسي المادي والعسكري لإنقاذ الأسد، يقول سورديل إن المنظور والأولويات التركية تطورت خلال الآونة الماضية، إذ يجب أن يتعلم المرء أن يكون واقعياً في مستنقع يائس مثل الحرب السورية. وكانت عملية أستانا نوعا من الحل الوسط والنجاح لكل من موسكو وأنقرة. ونجحت العملية في تهميش الغرب على الأقل على الجبهة الدبلوماسية.

ومن وجهة نظر روسيا، كان التقارب مع تركيا أمرا جيدا، لا سيما في ظل العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا  بعد مغامرة بوتين في شبه جزيرة القرم، والحرب في شرق أوكرانيا، الأمر الذي وضع روسيا في عزلة على المسرح الدولي. ومن هنا جاء التدخل الروسي في سوريا والتعاون مع تركيا من أجل تخفيف العزلة الدولية.

ووفقا لسورديل، لا ينبغي التقليل من الخلفية الاقتصادية للتقارب وأهميتها بالنسبة إلى البلدين. إن التعاون الاقتصادي المتزايد ونمو حجم التجارة هي مكسب لكل من أنقرة وموسكو وكلاهما في حاجة إليه. وفي هذا الصدد، فإن زيارة بوتين والصفقات التي وقعت ومن بينها محطة أك كويو النووية، وخط أنابيب السيل التركي هي خطوات جيدة نحو تطبيع العلاقات. كما أن التعجيل بتسليم منظومة إس 400 الروسية إلى تركيا هي مسألة فخر وسيادة بالنسبة إلى الأتراك.

وحول الموقف التركي من الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين الغرب وروسيا بسبب محاولة تسميم العميل الروسي سكريبال، رأي سورديل أن تركيا كانت على حق حين لم تحذ حذو دول الاتحاد الأوربي وتطرد دبلوماسيين روس، حيث يفضل الرئيس التركي أردوغان التصرف بشكل مستقل، ولم يكن طرد الدبلوماسيين الروس ليحقق له أي مكاسب.

وقال سورديل إن إدانة أنقرة لتسميم العميل الروسي كان حركة ذكية من تركيا التي تشعر بخيانة الغرب حول عدد من القضايا مثل عضوية الاتحاد الأوربي ودعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب، وتسليم غولن. لكنه أكد أن تركيا والغرب سيبقيان شريكين استراتيجيين رغم التقارب التركي الحالي مع روسيا بسبب الجغرافيا السياسية والاقتصاد، إذ أن روسيا ليست منافسا للغرب في هذا الجانب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!