محمد حسن القدّو - خاص ترك برس

تقع تركيا ضمن ما يسمى بدول الشرق الأوسط، والتي تعتبر القلب النابض لأكبر الفعاليات الاقتصادية العالمية، حيث توجد إحدى أهم المراكز المُصدِّرة للطاقة في العالم من النفط والغاز، إضافة إلى أنّها تتميز بالموقع الجغرافي الهام والنادر، حيث تتقاطع على بحارها وأراضيها النشاطات التجارية والإنسانية بين الغرب والشرق والشمال والجنوب بالإضافة إلى أنّ جزءا كبيرا ومهما من هذا النشاط يتم في هذه المنطقة.

وعليه فإنّ التنوع في أشكال النشاط الاقتصادي هي سمة هذه المنطقة، فبينما تستفيد بعض من الدول من موارد النفط والغاز تستفيد دول أخرى من موقعها الجغرافي كطريق للمواصلات وأخرى تستغل موانئها وثالثة لها موارد بشرية وأخرى زراعية إضافة إلى وجود أنواع من المعادن والثروات الخام والتي تغذي المصانع العالمية كما أنّها تمتلك أرقى مقومات النشاط السياحي الديني والآثاري والطبيعي.

كانت العلاقة بين العرب والأتراك حتى الحرب العالمية الأولى علاقة وحدة متكاملة استمرت لأكثر من ألف عام منذ الفتح الإسلامي واعتناق الأتراك للدين الإسلامي الحنيف، وكانوا يشكلون معا إمبراطورية كانت لها المساهمة الفعالة والرئيسية في تسيير حركة  النشاط الإنساني العالمي بكل أشكاله الاقتصادية والاجتماعية، وإدراكا من القادة الأتراك لهذه الأهمية التاريخية ولحاجة الجانبين في الوقت الحاضر لإنشاء أسس وقواعد التعاون الاستراتيجي في المجالات كافة ومنها المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، بادرت الحكومة التركية إلى إقامة علاقات اقتصادية ثنائية مع بعض الدول العربية وتم تأسيس مجالس عمل مشتركة بين تركيا والبلدان العربية حتى وصلت إلى أكثر من سبعة عشر مجلسا ثنائيا مشتركا.

وفي إطار إظهار الأهمية الاستراتيجية للتعاون العربي التركي ولأهمية الدول العربية بالنسبة إلى تركيا ولتوطيد الثقة مع الدول العربية بصورة عامة، بادرت تركيا إلى تقديم طلب للأمين العام للجامعة العربية بشأن انضمامها إلى الجامعة العربية بصفة مراقب.

وأتى اقتراح وزيرالخارجية التركي آنذاك أحمد داود أوغلو في تشكيل منتدى لحل المشكلات والأزمات وتحقيق الاستقرار بشتى الميادين وأهمها الاستقرار السياسي، وحيثما يكون الاستقرار السياسي يكون الاستقرار الاقتصادي بل ينتعش لأن رأس المال يوصف بالجبان.

وتأتي إقامة أول منتدى اقتصادي تركي عربي في عام 2005 ترجمة واقعية  لمقترح وزير الخارجية التركي آنذاك والتي اعتبرت بمثابة البداية الحقيقية لوضع أسس الانطلاق نحو تعزيز العلاقات بين الأتراك والدول الأعضاء للجامعة العربية في المجالات الاقتصادية والسياسية المالية وشؤون المصارف وجلب الاستثمارات العربية إلى تركيا وكذلك تسهيل عمل الشركات التركية في الدول العربية، وتوالت المنتديات الاقتصادية بين الجانبين حتى تكللت بإقامة أول اجتماع لوزراء الخارجية في المنتدى بإسطنبول في تشرين الأول/ أكتوبر عام   2008.

يأتي الطموح التركي بتوسيع العلاقة بينها وبين الدول العربية بالعاملين الآتيين:

أولا: انتشار ظاهرة التجمعات الإقليمية التجارية الفعالة والتي بدأت تسيطر على أكثر من 30% من حجم التعاملات الاقتصادية، وهذه التجمعات تهدف إلى رفع القيود الجمركية بين أعضائها بصورة تامة والذي يؤدي إلى تحرير التجارة البينية بين هذه الدول.

ثانيا: يمتلك العالم العربي مؤهلات وقدرات مما يجعلها محورا إقليميا متكاملا لوحده في الإنتاج والاستهلاك، بمعنى أنها تمتلك مقومات لإنجاح كل أشكال الاستثمار على أراضيه ولها قابلية غير محدودة على استيعاب المنتجات الاستهلاكية الصناعية والزراعية.

أما موقف الدول العربية من التعاون مع تركيا فينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: وهي الدول العربية التي تملك رؤوس الأموال سواء أفراد أو حكومات وتفكر باستثمارها في مشاريع تنموية في الأراضي التركية ويشجعها في ذلك استقرار الأسواق التركية واستمرار عجلة النمو الاقتصادي في كافة المجالات وخصوصا في قطاع الخدمات وقطاعي الصناعة والبناء واللذان يعتبران من القطاعات المهمة والمشجعة للمسثمرين العرب.

القسم الثاني: وهي الدول الراغبة بجلب الاستثمارات التركية إلى أراضيها لحاجة بلدانها إلى تطوير البنى التحتية وإقامة المصانع والمعامل والمنشآت المشتركة والتي بدورها تساهم في القضاء على ظاهرة البطالة ودعم العملة المحلية وتطوير قابلية وكفاءة الأيدي العاملة.

وعلى العموم فللتعاون العربي التركي آفاق واسعة سواء في:

1- مجالات الاستثمار.

2- إقامة المشروعات والمنشآت المشتركة.

3- تطوير الطاقة.

4- التدريب.

5- الاستشارات الاقتصادية والمالية. 

تُعدّ الإجراءات التركية والتي تحفز الراغبين بالاستثمار في تركيا ومنها على سبيل المثال صدور القوانين التركية الخاصة بالتملك العقاري وكذلك إلغاؤها لقانون المعاملة بالمثل والذي يعني السماح لكل الراغبين الأجانب بتملك عقارا في تركيا دون شرط موافقة دولهم على السماح للأتراك بالمعاملة بالمثل أي بتملكهم للعقار في تلك الدولة، وغيرها من القوانين والإجراءات الحكومية حافزاً إضافيا أمام المستثمرين الأجانب.

أمّا الفرص الاستثمارية فهي كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى في تركيا، فعلى سبيل المثال لا الحصر في قطاع البناء أعدّت الحكومة التركية برنامجاً للإعمار يستمر لعشرين عاما لتجديد أكثر من 6 مليون من الوحدات السكنية، وتأمل الحكومة التركية أن يُساهم المستثمرون الأجانب ومنهم المستثمرون العرب في الاشتراك في جزء كبير من هذا البرنامج. أمّا البورصة التركية والتي تحرص الحكومة التركية على انتعاشها واستقرارها وتقليل الفارق بينها وبين البورصات العالمية، لذلك قامت في الأيام الأخيرة من عام 2014 بالتوقيع على اتفاقية استراتيجية  مع بورصة لندن تشمل قطاع صناديق الاستثمار.

طموح الحكومة التركية لهذا العام هو دعم الاقتصاد التركي بكافة الاتجاهات والنواحي، والرّقم المراد تحقيقه في نسبة النمو الاقتصادي هو 8 -10 % وهو يعادل ضعف رقم النمو لعام 2014 وهو جزء من برنامج حكومي يستمر لغاية سنة 2023 والغاية المبتغاة منها هو وضع تركيا في الرقم 10 من بين أكثر اقتصاديات العالم تقدما.

الفعاليات الاقتصادية مع الدول العربية:

المنتديات الاقتصادية:

أقيم أول منتدى اقتصادي تركي عربي في مدينة إسطنبول التركية في 5 أيار/ مايو 2005 الذي عُقِد على مدى يومين بمشاركة نحو 600 من رجال الأعمال والمستثمرين العرب والأتراك وبحضور السيد رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان والسيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية آنذاك. وأبرز ما تناولته الندوة هي فرص الاستثمار في تركيا والرؤية المستقبلية لتطوير العلاقات التركية العربية في كافة الأصعدة والميادين وفتح صفحة جديدة في العلاقات التي كانت هامشية في أغلب نواحيها. وصدر عن اجتماع فعاليات المنتدى العربي التركي الأول في إسطنبول بيان مشترك عبّر عن رغبة وعزم الجانبين العربي والتركي في تطوير علاقات التعاون بينهما في المجالات المختلفة. كما أكد البيان أن الطرفين يتقاسمان رؤية موحدة لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاه في الشرق الأوسط. وناقش المنتدى الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق. وبصدور هذا البيان الختامي أصبح من المؤكد للجانبين والمراقبين بأن المنتدى الاقتصادي المشترك الأول هو عبارة عن تفاهم استراتيجي بينهما وأن هناك منتديات لاحقة ومستمرة.

الواقع والطموح

يبلغ  عدد سكان الدول العربية وتركيا أكثر من 450 مليون نسمة، وتصل مجمل اقتصادات هذه الدول مجتمعة إلى حدود أربعة تريليونات دولار - في حين أنّ نطاق التجارة بينهما لايتجاوز 70 مليار دولار. وحسب النشرات الاقتصادية لعام 2014 وتوقعاتها المستقبلية، صحيح أنّ هناك نمواً مطّرداً في مقدار وحجم نطاق التجارة المتبادلة بين البلدين منذ عام 2002 وحتى الان، لكن الواقع هو عدم وجود  تكافؤ بين الحجم الاقتصادي المتاح وبين حجم التبادل التجاري وكذلك بين عدد السكان والإمكانات المتوفرة لتشغيل قطعات واسعة من المشاريع والمنشآت وبين هذا العدد الضئيل من المشاريع المشتركة.

إن المشاريع المشتركة التركية العربية هي بمثابة القاسم المشترك بين العرب والأتراك وذلك لحاجة البلدين لتشغيل الأيدي العاملة بالدرجة الأساس لأن غالبية الدول العربية بحاجة إلى الاستثمار المعتمد على رأس المال (البشري) إن صحّ التعبير، وكذلك الأمر نفسة بالنسبة إلى تركيا لأنّ من المعلوم أنّه في كل عام تحتاج البلدان لتوفير أكثر من عشرة آلاف فرصة عمل جديدة عن كل مليون نسمة، ناهيك عن الأعداد الهائلة من المنتظرين في طوابير البحث عن العمل منذ أعوام، وتكمن الأهمية أيضا في إمكانية الترويج للمنتج المشترك بصورة سريعة من خلال المنظومة التركية للتصدير لتصل بصورة سلسة إلى أكثر من مليار ونصف المليار مستهلك في 54 دولة، والأمر مماثل بالنسبة إلى الدول العربية، والتي لها اتفاقيات كثيرة مع أغلب المنظمات الاقتصادية الإقليمية والدولية والتي تساهم بصورة كبيرة في تسويق المنتج المشترك وهذا يمثل طموحا تترقبه البلدان العربية وتركيا مشتركة أومنفردة مع بعضها البعض وفي المرحلة القادمة على أقل تقدير.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس