صحيفة ينويورك تايمز - العرب القطرية

هاكان يافوز أستاذ العلوم السياسية بجامعة يوتا ومجيب خان من جامعة كاليفورنيا

قالت صحيفة نيويورك تايمز: إن تركيا ظلت لعقود حليفا وفيا يسير على خطى أميركا معظم الوقت، لكن أنقرة ومنذ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية لمرة ثانية تبنت سياسية خارجية تجاه الشرق الأوسط تتسم باستقلال أكبر وكانت في أغلب الأوقات مخالفة للسياسية الأميركية.

وأضافت الصحيفة في مقال مشترك بين هاكان يافوز أستاذ العلوم السياسية بجامعة يوتا ومجيب خان من جامعة كاليفورنيا أن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة شابها خلاف حاد بشأن العديد من الملفات كانقلاب 2013 في مصر والصراع الإسرائيلي الفلسطيني والحاجة إلى التدخل العسكري في سوريا، فيما شكك منتقدو أنقرة في مصداقية تركيا كحليف للناتو في حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال الكاتبان: إن كثيرا من هذا القلق تجاه تركيا مضلل، إذ إن الأزمات المتواصلة في الشرق الأوسط سلطت الضوء على الوضع الجيوستراتيجي المحوري لتركيا، ومن ثم لا غرابة في أن يزور البابا فرانسيس والرئيس فلاديمير بوتن ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون أنقرة خلال الأشهر القليلة الماضية.

ورأى الكاتبان أن المنتقصين من قدر تركيا والذّامين لها، وهو أمر راجع جزئيا إلى عدم فهمهم للمصدر الذي ينبع منه النهج التأكيدي الجديد لها، فشلوا في إدراك أن هذا التحول يصب فعليا في صالح المصالح الأميركية طويلة الأمد.

وأضافا أن السياسية الخارجية الجديدة لتركيا تعزى إلى الرئيس رجب طيب أردوغان الذي حكم كرئيس للوزراء بين عامي 2003-2014، لكن جذور تلك السياسية تعود إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي أدخلها رئيس الوزراء توركوت أوزال في ثمانينيات القرن الماضي، والتي سرعت من إرساء الديمقراطية في تركيا وصعود الطبقة الوسطى المسلمة في ريف الأناضول.

ولفت الكاتبان إلى أن النظام الاستبدادي العلماني الصغير الذي تمخض عن تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 أبعد تركيا بشكل كبير عن تراثها الإسلامي العظيم، لكن بحلول نهاية القرن العشرين، تطلع كثير من الأتراك بحنين للعودة للوحدة والقيادة التي مثلتها الإمبراطورية العثمانية.

وأضافا أن الأتراك اليوم لم يعودا يقبلون ببساطة سياسات الغرب الملتبسة في منطقة الشرق الأوسط، مثل دعمه للانقلاب الذي جاء بالجنرال عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في مصر.

وشرح الكاتبان أن حادثتي رفض الإدارة الأميركية المساعدة في فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا، وضرب نظام الأسد بسبب استخدامه للسلاح الكيماوي ذكرت صناع القرار في تركيا بمواقف سابقة بدا فيها الغرب غير مكترث لعمليات ذبح المسلمين في البوسنة والشيشان، حيث تعود أصول كثير من المواطنين الأتراك.

وأشارا إلى أن هذه الانطباعات والتصورات تم تسليط الضوء عليها في الأشهر الأخيرة، حينما حاولت واشنطن الضغط على تركيا للدخول في قتال شامل ضد تنظيم داعش، فيما تتجاهل الإدارة الأميركية سفك بشار الأسد لدماء السنة السوريين الذين تربطهم صلات بسنة تركيا.

ويدافع الكاتبان عن تركيا ونظامها، ووصفاه بأنه أكثر ديمقراطية من جيرانه، فضلا عن تمسكه بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، أن النظام التركي لا يقمع خصومه السياسية أو يضطهد أقليات الدينية والعرقية، رغم قول منتقدي الحكومة التركية أنها لم تعد تحتمل المعارضة المحلية وأنها تروج لأجندة طائفية عرقية في الشرق الأوسط.

وأوضح الكاتبان أن تركيا تحاول إبعاد الشرق الأوسط عن دائرة الاستبداد والصراع والتدخل الخارجي الذي يعصف بها منذ الحكم العثماني، فعلى سبيل المثال احتضن حزب العدالة والتنمية وعود الإصلاح التي رفعها الرئيس السوري الشاب في أول زيارة له لأنقرة عام 2004، وتحسنت العلاقات بين البلدين، وفقط عندما تجاهل الأسد دعوات الإصلاح ونفذ قتلا جماعيا للمدنيين السوريين، طالب أنقرة برحيل نظامه.

مثال آخر على سياسية تركيا التأكيدية، عندما أعلن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان عام 2002 أنه سيعزز العلاقات مع إسرائيل وسيعاملها كشريك شرعي للتوصل لسلام شامل في المنطقة، لكن عندما قتلت إسرائيل مئات المدنيين في غزة عام 2009 وأغارت على قافلة مرمرة التركية عام 2010، حينها قررت تركيا أنها لن تشارك في الأوهام العدوانية لحزب الليكود الحاكم في إسرائيل.

ليس هذا فقط، بل بذل حزب العدالة والتنمية جهودا أكبر من أي حزب آخر حكم تركيا لحل الصراع الكردي، فقط آوى أكثر من 1.6 مليون لاجئ سوري بما فيهم 200 ألف كردي ومسيحي وإيزيدي فروا من تنظيم داعش، كما أمدت أنقرة البشمرجة الكردية بدعم عسكري في حربها ضد داعش، وباتت حكومة إقليم كردستان العراق أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لتركيا.

ورأى الكاتبان أن إخفاق واشنطن في تقديم الدعم الكامل لحكومة الرئيس محمد مرسي المنتخبة في مصر أسهم في سقوط نظامه، وكذلك في العنف والاضطراب الذي لحق بمصر منذ ذلك الوقت، وإن تخلى أوباما اللاذع عن المعارضة السورية خلال أو سنتين من عمر الانتفاضة ضد نظام الأسد هيأ الساحة لقدوم تنظيم داعش.

ونصح الكاتبان واشنطن والعواصم الغربية، أنها إذا أرادت تفادي مثل تلك الكوارث، ينبغي لها التخلي عن النهج ذي النتائج العكسية المتبع مع تركيا، بل وتبني الانخراط التركي الإيجابي المتزايد في الشرق الأوسط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!