سمير صالحة - خاص ترك برس

من المعروف أن ليبيا تعاني اليوم من أزمة سياسية، تحولت إلى مواجهة مسلحة متصاعدة في الأشهر الأخيرة، ممّا أفرز جناحين للسلطة لكل منهما له مؤسساته وعلاقاته في الداخل والخارج. الأول معترف به دوليا في مدينة طبرق، ويتألف من: مجلس النواب، الذي تم حله من قبل المحكمة الدستورية العليا، وحكومة عبد الله الثني المنبثقة عنه، أما الجناح الثاني للسلطة في ليبيا، فهو في العاصمة طرابلس، ويضم المؤتمر الوطني العام، ومعه القيادي عمر الحاسي، فضلاً عما يسميه هذا الجناح بـ"الجيش الليبي".

أحمد المسلمانى الكاتب والسياسي المصري حمل قطر وتركيا مسؤولية هدر دماء المصريين فى ليبيا، واقترح البحث فى إمكانية تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد البلدين. لأن قطر وتركيا كما يرى تحاربان مصر فى ليبيا، مشيرا إلى أن تنظيم فجر ليبيا الموالي لهما ليس إلا قطاعاً من تحالف داعش يعكس جزءا من السياسة المصرية الليبية ونظرة القاهرة إلى الدول الإقليمية الفاعلة في الملف.

باريس من ناحيتها حاولت لعب ورقة وجود تقرير فرنسي يتحدث عن مخطّط قطري تركي يقضي بتحويل ليبيا إلى معقل للمجموعات المتشددة بهدف ضرب أمن دول الجوار وخاصة مصر. واتهم التقرير المخابرات التركية والقطرية بالإشراف على هذا المخطط، انتقاما لفشل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وربطه بمعلومات يرددها مراقبون دوليون أن الخطر يتجاوز حدود ليبيا ليطال دول الجوار التي ثارت ضد حكم الإسلاميين خاصة مصر وتونس بعد أن فشلا في استهدافهما من الداخل عبر تشجيع الميليشيات الإخوانية. وتحدث عن وجود وثائق سرية، حصلت عليها مجلة "ماريان" الفرنسية تشير إلى تدفق أموال كثيرة وأعداد هائلة من المقاتلين إلى ليبيا، عبر مطار إسطنبول، لتكوين جيش إسلامي ضخم. بهدف إحياء الإمبراطورية العثمانية وبناء إمارة إسلامية تسعى إليها قطر.

كل هذا يؤكد حجم الاصطفاف الإقليمي والدولي في الموضوع الليبي ليس عربيا وإقليميا فقط بل دوليا أيضا.

ما يقوله عبد الله الثني رئيس الحكومة الانتقالية فى ليبيا حول أنّ الضربات الجوية التي وجهتها القوات المصرية إلى مواقع تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الأراضى الليبية على مدى اليومين الماضيين كانت بعلم حكومته وبتنسيق كامل معها، لا أحد يعرف ما علاقته المباشرة بتهديد تركيا بوقف التعامل مع شركاتها إذا واصلت تدخلاتها في شؤون ليبيا الداخلية؟

الثني يقول إن التدخل التركى "يؤثر تأثيرا سلبيا على أمن واستقرار ليبيا. ويتابع سنضطر إلى اتخاذ إجراءات تجاه هذه الدولة. وفى النهاية تركيا هى الخاسرة لأن ليبيا بإمكانها التعامل مع أية دولة، والشركات التركية هى التى ستخسر استثماراتها فى ليبيا". لكنّه يعتبر أيضا أنّ ما يُقال عن "انتهاك حرمة السيادة الليبية غير صحيح". ويضيف فى حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية ستستمر هذه الضربات على هذه المجموعات حتى يتم القضاء عليها.

القاهرة ومن يساندها في ملف الأزمة الليبية يقدمون المشهد على أنّه "الحرب على داعش مخلب تركيا الدموي لإيصال الرسائل، والتدخل في رسم خرائط الأمن القومي لدول المنطقة"، وهم يروجون لفكرة أنّ تركيا تواصل رغم القرارات المتتالية لمجلس الأمن الدولي توفير مصادر التمويل والتسليح والإمداد، لإمارة "داعش"، وتأمين الممرّ للسلاح والملاذ للمقاتلين، وبات واضحاً أنّ أمن المنطقة يتوقف على حسم موقع تركيا، من اللعب المكشوف بورقة "داعش"، ويصرون على أنّ مصر ارتضت قواعد اللعبة التركية، وذهبت لخوض القتال في ليبيا حيث التمويل القطري والإمداد التركي يجريان علناً لحساب جماعات "القاعدة".

ليبيا كما يرون ويروجون تبدو ساحة حرب قادمة لكن ما لا يرونه بوضوح هو أنّ مصر تريد كما يبدو أن تذهب إلى حرب استنزاف، ليست بعيدة عن التوظيف للتطويع، في ظلّ حسابات أميركية تسعى إلى ضمّ مصر بشروطها عضواً في التحالف الدولي للحرب على "داعش"، وتريد تلزيمها الحرب في ليبيا، وإبعادها عن تعميق التفاهمات مع روسيا كما يرى البعض.

بعض الأقلام المصرية ترى أنّ الأمن القومي المصري، مهدد من الثنائي التركي القطري، والمنطقة تحتاج دولة بحجم مصر، تضع تحدي تأديبهما بين أولوياتها وتقطع شرايين الدعم الموصولة بين الدوحة وأنقرة من جهة والإرهاب من جهة أخرى، وهذا البعض يبني مشروعه في إطار سيناريو المصالحة العربية العربية، طرفاها سورية والسعودية، ومصالحة إقليمية إقليمية طرفاها، السعودية وإيران وتقود باتجاه استراتيجية تحركها مصر لتحجيم الدور التركي تحت طائلة العقاب السياسي وصولاً لقطع العلاقات، والذهاب إلى مجلس الأمن بقرار عربي لمعاقبتها وفقاً للفصل السابع كدولة مارقة داعمة للإرهاب كما يرون.

لكن مصر وبعد أشهر على محاولتها قيادة "المشروع الليبي" لتنفيذ السيناريو والدور الإقليمي الجديد المأمول منها يبدو أنّها تتعثر بجدية في محاصرة تركيا وقطر في الملف الليبي كما يبدو أنّ من تم الرهان عليه من لاعبين عرب تنبهوا للسيناريو الذي ينتشل النظام السوري وإيران من ورطة سوريا واليمن والبحرين ولبنان وتتجاهل القوة الإسرائيلية المتصاعدة ولم يمنحوا القاهرة الفرصة التي تريدها للعودة بهذه الطريقة إلى لعبة التوازنات التي تبحث عنها في وجه تركيا وقطر. 

الانتقام المصري من سياسة تركيا الليبية جاء هذه المرة من خلال منع طائرة تجارية ليبية متجهة إلى إسطنبول من العبور في الأجواء المصرية وأجبرت على العودة إلى طرابلس. وهو ما وصفته مصادر تركية بأنّه سيؤدي إلى مزيد من عزلة ليبيا لا سيما وأن تركيا واحدة من الدول القليلة المتبقية التي تسير شركات الطيران الليبية رحلات إليها. وغادرت شركات الطيران الأجنبية البلاد.

القاهرة يبدو أنّها تجاهلت تماما بيان الخارجية التركية الذي أدان بشدة مقتل 21 مصريا ذبحا على يد تنظيم داعش في ليبيا، بعد اختطافهم في 12 شباط/ فبراير الجاري والذي أشار إلى أنّ هذه التطورات أظهرت بشكل أكبر أهمية عملية الحوار والمصالحة الوطنية في ليبيا، حيث ستكون المصالحة الوطنية وتكوين حكومة وحدة وطنية الرد الأقوى والأنسب على الإرهاب.

القاهرة أرادت أن تُبرّر سياسيا خطوة التدخل المباشر في الأزمة الليبية عبر تحريك اللواء الليبي، خليفة حفتر، قائد "عملية الكرامة" التي يقودها بمواجهة جماعات إسلامية ومعارضة في البلاد، عندما قال  إنّه "يدعم بقوة" تدخل القوات المصرية في ليبيا لتوجيه ضربة عسكرية إلى المتشددين المسؤولين عن ذبح 21 قبطيا، متهما السودان وقطر وتركيا بدعم تلك الجماعات التي قال إن هدفها النهائي هو ضرب مصر. ولكن حفتر ولدى سؤاله حول إمكانية التدخل العسكري المصري رد بالقول: "لا نرفض أي وسيلة من شأنها تهديد هذه المجموعات الإرهابية، أي مدينة مصرية هي مثل أي مدينة ليبية، ولا يجب أن تكون الحدود عائقا أمام تنفيذ أي ضربة انتقامية ضد هذه المجموعات الإرهابية."

حفتر يحرق بمواقف من هذا النوع إوراق القاهرة التي تبحث عن الإرهاب في ليبيا ناسية أن الازمة الليبية أبعد وأكبر وأهمّ من أن تقدم على أنّها ملف الحرب على الإرهاب كما يقول ويفعل النظام في سوريا. هل تريد القاهرة أن تقلد دمشق في ليبيا؟

آخر ضربة تلقاها نظام السيسي كانت مع صدور موقف دولي واضح بدا ردا على الرئيس المصري، حيث أكدت حكومات الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة في بيان مشترك  ضرورة إيجاد "حل سياسي" في ليبيا من دون أي إشارة الى احتمال تدخل عسكري في حال فشلت الجهود من أجل تسوية سياسية. واعتبرت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا أنّ تشكيل حكومة وحدة وطنية "يشكل الأمل الأفضل بالنسبة إلى الليبيين".

بيان الخارجية المصرية تجنّب الإشارة إلى أنّ مصر طلبت تضمين مشروع قرار مجلس الأمن دعوة للتدخل الدولي في ليبيا واكتفى بالإشارة إلى أنّ وزير الخارجية المصري، الذي "التقى سفراء الصين، الرئيس الحالي لمجلس الأمن، وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا، وماليزيا، وتشيلي وأنغولا" في مجلس الأمن، طلب كذلك "تضمين قرار مجلس الأمن إجراءات مناسبة لمنع وصول الأسلحة بصورة غير شرعية للجماعات المسلحة والإرهابية".

ضربة أخرى تلقتها القاهرة خلال اجتماعات مغلقة للمجلس الوزاري للاتحاد الأفريقي حول الأزمة الليبية، في أديس أبابا بسبب ظهور تباينات شديدة بين وزراء الخارجية الأفارقة في طريقة التعامل مع مسار الأزمة الليبية. حين أشار متابعون من الداخل إلى وجود رأيين وتيارين أحدهما بقيادة الجزائر يرفض التدخل العسكري الدولي لحل الأزمة، فيما تدعم مصر بقوة التدخل العسكري المباشر وحسم الصراع منعا لانتقال عدوة الصراع إلى دول الجوار. وكانت النتيجة هناك أيضا أنّ مصر لم تحقق هدفها في هذا اللقاء.

لكنّ مصادر أفريقية ذكرت أنّ مسؤولي الاتحاد الأفريقي رفضوا اعتراض مصر، وقالوا إنّهم قدموا الدعوة إلى كل من قطر والإمارات والسعودية وتركيا والكويت باعتبارها دول معنية بالأزمة في ليبيا، ولا بد من مشاركتها في اجتماع الأربعاء بحثا عن حل للأزمة .

ضربة ثالثة تلقاها فريق عمل الرئيس المصري السيسي عندما اعتبر سامح شكرى وزير الخارجية تغيب مصر عن المشاركة فى الجلسة الافتتاحية لاجتماع لجنة الاتصال الدولية حول ليبيا في يوم 28 كانون الثاني/ يناير 2015  بأنه رسالة واضحة لمن يهمه الأمر وبأنّه لا بد من التنسيق الوثيق مع مصر، عندما يتصل الأمر بمشاركة دول من خارج الاتحاد فى اجتماعات مرتبطة بالاتحاد الأفريقي وبقضايا مباشرة لدول الاتحاد.

وأكد شكرى أنّ مصر لم تشارك فى الاجتماع فى البداية وذلك بالتنسيق مع وزير خارجية ليبيا وممثلي الإمارات والسعودية فى ضوء عدم التزام مفوضية الاتحاد الأفريقى بالإجراءات المألوفة بأن يتم تنظيم مثل هذه الاجتماعات بعد التشاور والتنسيق مع الدول الأعضاء فى المنظمة.

واعتبر أنّ عدم الحضور كان رسالة واضحة فى هذا الصدد، واستدرك قائلا: "كان لنا رأي موضوعي في التشكيل حيث كان لا بد أن يؤخذ فى الاعتبار"، ووصف شكرى الجلسة الصباحية للجنة الاتصال ـ التى لم تحضرها مصر- بأنها كانت مضطربة وغير مواتية نظرا لتغيب الطرف الرئيسى وهو ليبيا، وبالتالى فلم يكن لها جدوى. لكن المفوضية ورغم كل الاعتراضات والتحفظات المصرية وجهت الدعوة لتركيا وقطر اللتين حضر ممثلاهما اجتماع مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بليبيا، وقالا ما عندهما حول سبل الحل هناك.

كيف ستتعامل مصر الآن مع تنديد مجلس التعاون لدول الخليج العربي بالاتهامات المصرية لقطر بدعم الإرهاب على خلفية الغارات المصرية على ليبيا، في حين استدعت قطر سفيرها لدى مصر للتشاور على خلفية تلك التصريحات؟ ومع موقف الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني الذي عبر عن رفضه "للاتهامات التي وجهها مندوب مصر الدائم لدى جامعة الدول العربية إلى دولة قطر بدعم الإرهاب" ووصفها بأنها "اتهامات باطلة تجافي الحقيقة وتتجاهل الجهود المخلصة التي تبذلها دولة قطر مع شقيقاتها دول مجلس التعاون والدول العربية لمكافحة الإرهاب والتطرف على جميع المستويات"؟

الزياني يرى أن التصريحات المصرية "لا تساعد على ترسيخ التضامن العربي، في الوقت الذي تتعرض فيه أوطاننا العربية لتحديات كبيرة تهدد أمنها واستقرارها وسيادتها". والبيان القطري يقول إنّ ما جاء على لسان مندوب مصر السفير طارق عادل جانبه الصواب والحكمة ومبادئ العمل العربي المشترك. طارق عادل اعتبر أن تحفظ قطر على فقرة بيان الجامعة العربية حول "حق مصر في الدفاع الشرعي عن نفسها" يشير إلى أنّها "كشفت عن موقفها الداعم للإرهاب" وفق تعبيره.

القاهرة اتهمت الدوحة بالخروج عن الإجماع العربي في دعمها وبيان دول الخليج يندد بالموقف المصري حيال قطر. إذاً مصر لن تتحرك كما تشاء بعد الآن لا في ليبيا ولا في شمال أفريقيا ولا في ملفات المنطقة وهي تغامر بحرق سفن العودة في سياسة إقليمية لنقل أزمتها الداخلية إلى الخارج. التكتيك هو سوري لكننا لانعرف إذا ما كانت الاستراتيجية واحدة وبالتنسيق مع النظام السوري.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس