ترك برس

على الرغم من التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق تركي أمريكي بشأن إقامة منطقة آمنة شمال سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية، يرى المحلل السياسي الأمريكي آرون شتاين أن المحادثات بين الجانبين لها قيمة جوهرية، ولكن هذا لا يعني أن البلدين قريبان من التوصل إلى رؤية شاملة بشأن سوريا.

وأوضح شتاين في مقال نشره معهد أبحاث السياسة الخارجية "Foreign Policy Research Institute" أن رفض تقديم أو قبول تنازلات هو خيار سياسي من كلا الجانبين، حيث قررت واشنطن أن السياسة المتشددة المناهضة لإيران ونظام الأسد أكثر قيمة للأهداف الخارجية للولايات المتحدة من علاقتها مع الحكومة التركية. وفي المقابل، اختارت أنقرة مقاربة متشددة معادية للتنظيمات الموالية لتنظيم بي كي كي في شمال سوريا باعتبارها أكثر أهمية لمصالحها.

وأضاف أن جذر المشكلة هو أن واشنطن تنظر إلى الجماعات المسلحة السنية المتجاوزة للحدود على أنها مشكلة عسكرية تبرر استخدام القوة في الخارج. وفي المقابل تنظر تركيا إلى هذا التهديد على أنه مسألة تتعلق بإنفاذ القانون، وترى أن المشكلة تقتصر على حدودها.

وثمة خلاف آخر يتعلق بالأكراد حيث التزمت أنقرة باستخدام القوة حتى خارج حدودها في كلا من العراق وسوريا، لحرمان التنظيمات الموالية لتنظيم بي كي كي من الملاذ الآمن في سياسة تحاكي مخاوف واشنطن من الجماعات المسلحة متعددة الجنسيات. ويعد تهديد التنظيمات المرتبطة ببي كي كي المتجاوزة للحدود، بالنسبة لتركيا صراعًا وجوديًا يمكن أن يؤدي إلى تقسيم البلاد عرقيا.

أما الولايات المتحدة فهي لا تشارك تركيا هذا القلق، بل تنظر واشنطن إلى هذا الإرهاب على أنه مصدر إزعاج سياسي ومسألة يمكن معالجتها من خلال الإغراءات السياسية وتطبيق القانون بشكل مناسب.

ووفقا لشتاين، يفسر هذا الاختلاف الرئيسي في تصورات التهديد لماذا تباين الطرفان منذ أواخر عام 2015 تباينا كبيرا في كيفية الحرب على تنظيم داعش. نظرت أنقرة إلى تلك المجموعة الإرهابية بوصفها ثمرة للحرب السورية. ومن ثم لمحاربة داعش بفعالية كان ينبغي للولايات المتحدة أن تركز على القضاء على جذر المشكلة وهو الحكم الوحشي لبشار الأسد.

في المقابل، نظرت واشنطن إلى تصورات أنقرة السياسية على أنها إضافة مهمة وجزء من جهد أوسع للإدارة الأمريكية لحشد حملة عسكرية للإطاحة بالنظام السوري. وفي النهاية، اختارت كل من إدارتي أوباما وترامب متابعة مهمة ضيقة لمكافحة الإرهاب تركز على الهزيمة الإقليمية لتنظيم الدولة.

ويقول شتاين إنه عندما نجحت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في هزيمة داعش في سوريا، تحولت المهمة في سوريا لتعكس رغبات الصقور في إدارة ترامب، إذ  أكد متشددون مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون أن الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا يمكن أن يستخدم لخنق النظام السوري، ودفعه هو والنظام الإيراني إلى تقديم تنازلات سياسية لواشنطن.

ويضيف أن أنقرة لا تتفق مع وجهة النظر تلك، فبعد سنوات من السعي للإطاحة بالأسد، حولت أنقرة أولوياتها للتركيز على ثلاث أولويات مترابطة. أولًا، من خلال الضغط على واشنطن، فإن أنقرة مصممة على حرمان قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من الملاذ الآمن. ثانيًا، من خلال سيطرتها على شمال حلب وعفرين، تستثمر تركيا الموارد لإيجاد مساحة ملائمة للعيش للاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم. ثالثًا، لضمان أن يكون لأنقرة رأي في كيفية تسوية النزاع السوري.

ويلفت إلى أن واشنطن تمثل مصدر إزعاج لهذه الأولويات التركية التي تشمل مطالب متشددة بعدم تقديم أي تنازل سياسي أو عسكري لأي كيان منفصل في الشمال الشرقي. وفي المقابل تعد واشنطن شمال شرق سوريا قوة ضغط ضد النظام، وستحاول قريبًا إحياء منتدى منافس لمحادثات اللجنة الدستورية التي تقودها أنقرة وموسكو.

وخلص شتاين إلى أن هذه ليست صورة لبلدين على أعتاب التوصل إلى رؤية شاملة لسوريا، حيث تتنافس أنقرة وواشنطن في سوريا لتحقيق نتائج مختلفة. يمكن لتركيا أن تتعايش مع وجود أمريكي صغير رمزي ما دامت تستطيع تحييد التنظيمات التي حاربت واشنطن إلى جانبها لمدة 4 سنوات. أما واشنطن فيمكنها التعايش مع وجود تركي صغير رمزي، ما دام لن يحارب التنظيمات التي تعتمد عليها واشنطن للسيطرة على المناطق التي انتزعتها من داعش.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!