ترك برس

نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تقدير موقف يتناول التطورات الأخيرة في منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب السورية ومحيطها، فضلًا عن مصير الاتفاق المبرم بين تركيا وروسيا لوقف إطلاق النار في المنطقة.

وقال المركز إن منطقة خفض التصعيد الأخيرة، في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، والتي كرسها اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في سوتشي، تتعرض لهجوم عنيف تشنه قوات النظام وميليشياته، بدعم من حلفائها الروس منذ مطلع أيار/ مايو 2019.

وقد أدى الهجوم حتى الآن إلى مقتل مئات المدنيين، وتدمير عشرات المراكز الصحية والمدارس التي يُستخدم أكثرها مراكز للإيواء، فضلًا عن نزوح ما يزيد على نصف مليون من السكان.

ووفقًا للمركز العربي، فإن الهجوم يهدد بإسقاط اتفاق سوتشي ومعه كامل مسار أستانا، وفتح الباب واسعًا أمام مواجهة شاملة بين قوات المعارضة المدعومة تركيًا وقوات النظام المدعومة روسيًا.

** احتمالات التصعيد والتسوية

ويرى المركز أنه رغم التصعيد الكبير الذي شهدته المنطقة منزوعة السلاح، فإن أسباب إنشاء هذه المنطقة ما زالت قائمة بالنسبة إلى الطرفين الروسي والتركي. وتدرك موسكو أن عملية عسكرية كبيرة في إدلب ستؤدي بالضرورة إلى انهيار مسار أستانا، الذي يتعرض لضغوط شديدة مع استمرار محاولات الولايات المتحدة إعادة الاعتبار إلى مسار جنيف، وزيادة ضغطها على إيران لإخراجها من سورية.

يعدّ اتفاق إدلب أمل موسكو الوحيد لإنقاذ مسار أستانا الذي تهدد تركيا بالانسحاب منه إذا قامت روسيا بعمل عسكري كبير ضد إدلب. ومن شأن ذلك أن يقوض فرص الحل السياسي وفق الرؤية الروسية في سورية، والقائمة على ثنائية الدستور والانتخابات.

أما في إطار إستراتيجي أوسع، فإن عملية عسكرية كبيرة في إدلب ستدفع تركيا مجددًا إلى التقارب مع الغرب، وستؤدي بالضرورة إلى تبديد كل جهود روسيا لانتزاع تركيا من حضن الولايات المتحدة؛ تلك الجهود المستمرة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز/ يوليو 2016، بما في ذلك مساعي ربط تركيا بروسيا باتفاقيات حول التجارة والطاقة، وحتى تزويدها بمنظومة صواريخ إس 400 التي أثارت قلقًا واسعًا في الغرب، وبين حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو".

نجحت تركيا في إيضاح أهمية إدلب بالنسبة إليها، من خلال دفع أعداد كبيرة من قوات المعارضة السورية، بما في ذلك الموجودة في مناطق درع الفرات، إلى المشاركة في صد الهجوم الروسي على إدلب وتزويدها بأسلحة نوعية، ساهمت في استعادة أجزاء من المناطق التي سيطر عليها النظام، كما ساهمت في السيطرة على مناطق جديدة.

وأوصلت المقاومة الشرسة التي أبدتها قوات المعارضة في الدفاع عن معقلها الأخير رسالة تركية مهمة إلى روسيا، مفادها أن معركة إدلب، في حال قررت روسيا خوضها، لن تكون كبقية المعارك، وخاصة مع ظهور أسلحة مضادة للطائرات. كما أظهرت هذه المقاومة حرص تركيا على إبقاء سيطرة فصائل المعارضة على إدلب، باعتبارها ورقة مهمة للضغط في اتجاه الحل السياسي.

ومن المرجح أن تؤدي الضغوط الدولية دورًا في منع وقوع حمام دم في إدلب أو موجات نزوح واسعة؛ بسبب وجود نحو أربعة ملايين مدني في المحافظة، أكثرهم من النازحين من مناطق أخرى داخل سورية، في حال حصول هجوم عسكري روسي شامل عليها. وكانت الولايات المتحدة حذرت من أنها لن تقف مكتوفة اليدين في حالة استخدام السلاح الكيماوي في الهجوم على إدلب.

كل ذلك يقلل من احتمالات حصول مواجهة شاملة في المدينة ويرجح بقاءها محصورة في مناطق محددة ذات أهمية إستراتيجية أو اقتصادية.

رغم اختلاف مصالحهما، واختلاف رؤية كل منهما لما نُفذ من الاتفاقيات حتى الآن، ما زالت روسيا وتركيا تجدان مصلحة في الحفاظ على اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في إدلب. وسوف تسعى تركيا إلى فرض وقف لإطلاق نار في المنطقة، والعودة إلى الوضع السابق، أي ما قبل الحملة العسكرية التي بدأها النظام السوري مطلع أيار/ مايو 2019، وحقق فيها تقدمًا.

أما روسيا فسوف تحاول إلزام تركيا تنفيذ أجزاء من اتفاق المنطقة منزوعة السلاح، وخاصة المتعلقة بإبعاد فصائل المعارضة إلى الشمال؛ ما يوفر الحماية لقاعدة حميميم الجوية الروسية من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة، وفتح الطريق الدولية بين اللاذقية وحلب وبين حماة وحلب، وهو شريان التجارة الرئيس الذي يحتاجه النظام للبدء بالتعافي اقتصاديًا.

لكن هذا لن يحصل من دون تفاهمات حول مستقبل تل رفعت، والوجود الكردي في مناطق غرب الفرات؛ ما يرجح بدأ جولة جديدة من المفاوضات التركية - الروسية. ولن تكون واشنطن بعيدة عن تلك المفاوضات في ضوء ارتباطها بتحالفها مع الأكراد ووجودها العسكري في منبج التي لم يحسم وضعها بعد.

في كل الأحوال، إن الإبقاء على اتفاق سوتشي هو مصلحة لتركيا وروسيا في الأزمة، في ضوء عدم إمكانية حسم وضع إدلب، ريثما تتضح صورة التفاهمات الإقليمية والدولية حول قضايا الحل السياسي في سورية وكيفية الوصول إليه.

وهذا لا يعني أن روسيا والنظام لن يستغلا أي فرصة للتقدم على جميع المحاور، إذا سنحت مثل هذه الفرصة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!