وداد بليغين – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

بدأت الأطراف التي ترتعب من السلام مع الأكراد، بالحراك الفوري بعد دخول عملية السلام مراحلها الأخيرة، وعلينا تحليل "مصدر رعبهم" وخوفهم بصورة صحيحة، لأنّ الذين يرتعبون من هذا التطوّر الهام هم رجال "الهيمنة الغربية" التي استمرت لقرن من الزمان، فهؤلاء يتحركون لتحقيق مصالح الغرب.

تسعى شعوب المنطقة الآن لمحاولة رسم سياستها وقراراتها بنفسها، بعد قرن من الاستعمار الغربي الذي مزق المنطقة ورسم حدودها وفق أهوائه، والذي زرع الثقافة الغربية في نفوس شعوبها وسيطر على خيرات بلادهم وتحكّم بها بصورة مباشرة وغير مباشرة على مدار مئة عام.

مشروع عفا عليه الزمن

لطالما استخدمت القضية الكردية كأداة من أجل إحكام السيطرة على دول المنطقة وعلى رأسها تركيا، وبنفس الوقت لا يريدون للشعب الكردي في المنطقة أنْ يقرر مصيره، وإنما يتلاعبون به كيفما يشاءون، ولذات السبب كنت دائما ما انتقد مبدأ "القومية" الذي كانت توليه تركيا أهمية قصوى والذي كان سببا في سيطرة نظام فاشي غير ديمقراطي على تركيا خلال العقود الماضية.

سعى النظام الغربي إلى رسم معالم نظامه في المنطقة بالشكل الذي يخدمه، متناسي كل القيم والمعالم والحضارة التي كانت قد زُرعت في هذه المنقطة، وبذل كل الجهود الممكنة لتشكيل النظام بما يتلاءم ومصالحه، بحيث يدعم أنظمة ملكية وأميرية في منطقة ما، ويدعم نظام الأكثرية والديمقراطية في منطقة أخرى، ويقف ضد نفس الديمقراطية إذا كانت سببا في وصول أناس لا يخضعون للهيمنة الغربية إلى سدة الحُكم.

وبهذه الطريقة سعى الغرب إلى زرع مبدأ "القومية" لدى الأتراك الذين كانت دولتهم تضم مختلف الأعراق من عرب وترك وكرد وعجم وغيرهم، لذلك كان زرع مبدأ القومية في الدولة التركية عاملا هاما من أجل جعل ملف الأكراد أداة يستخدمها الغرب متى شاء من أجل الضغط على تركيا ووضعها تحت خطر التقسيم الدائم.

حاول الغرب في الفترة الأخيرة إظهار تركيا وكأنها تمارس تمييزا عنصريا ضد الأكراد، لكنه فشل في ذلك، بسبب سياسة تركيا التي قطعت الطريق أمامهم لتحقيق أهدافهم تلك، وأبرز أثبتته تركيا هو "المساواة في المواطنة" بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الدين. أما الأمر الآخر فتمثل بالتعاون غير المسبوق بين تركيا وبين الحُكم الذاتي في كردستان العراق، وهكذا أصبح مشروع التقسيم عن طريق القومية مشروعا عفا عليه الزمن.

المشروع الحالي

يشكّل البيان المشترك الأخير، الذي يدعو إلى ترك السلاح وإلى ترك الإرهاب، بداية مشروع جديد يرتكز على مبدأ وطن واحد وشعب واحد، ولعل وقوف اردوغان بكل ثقله خلف هذا المبدأ الذي لطالما أكد عليه "وطن واحد، دولة واحدة، شعب واحد"، سيعطي هذا المشروع زخما وطاقة كبيرة لنقله إلى الأمام وإلى مرحلته الأخيرة.

ولهذا يكمن السبب الرئيسي في انزعاج ورعب الذين يقفون ضد عملية السلام والمصالحة الوطنية مع الأكراد، يكمن السبب في قُرب انهيار المشروع الغربي للقرن الماضي الذي كان يرتكز على "بناء دول قومية" في المنطقة، ولهذا فإنّ قرب تحقيق عملية السلام يعني أنّ تركيا ستنجح في الانتقال بشعوب المنطقة من مبدأ القومية إلى مبدأ الشعب الواحد، وهكذا تكون تركيا قد بدأت فعليا في إرساء سياسة اتحاد ووحدة بين شعوب المنطقة، ومن يقف في وجه هذا المشروع يُعتبر عدوا لهذه الشعوب.

وهؤلاء الذين يقفون ضد عملية السلام، ومنهم الكتاب والصحفيين الذين يعترضون لمجرد الاعتراض، والذين كتبوا "شروط حزب العمال الكردستاني هي الأهم"، "إذا ترك الحزب سلاحه سيحترق"، "لا تسلموا أنفسكم"، وغيرها، هؤلاء لم يستطيعوا فهم ما تقوم به تركيا اليوم، وبنفس الوقت لا يستطيعون التخلي عن العبودية التي اعتادوا عليها للنظام الغربي، لهذا هم مجبرون للدفاع عنه برغم كل ما يحصل.