سمير صالحة - لبنان 24

وصلت وسائل الإعلام التركية والغربية إلى ما تريد وحصلت على اسم وجنسية والجهة التي يعمل لصالحها رجل الاستخبارات الأجنبي الذي ألقت السلطات التركية القبض عليه قبل 10 أيام في مدينة أورفا بتهمة مساعدة الفتيات البريطانيات الثلاث على دخول سوريا والانضمام لتنظيم "داعش" .

لكن تفاصيل الحادثة وخفاياها الكثيرة التي بدات تظهر تدريجيا الى العلن تكشف حقاً عن جبل من الثلج كان مدفونا تحت المياه وهدفه الاول كان ربما الإصرار على توريط تركيا في مستنقع الحرب السورية والاصرار على ربط اسمها ودورها في ملف دعم تنظيم داعش وتقديم الخدمات اللوجستية له والتغاضي عن دخول مناصريه الى سوريا عبر الاراضي التركية ،

المعلومات بينها المؤكد وبينها الذي يستحق التدقيق والمتابعة لتكتمل عناصر المشهد وتتوضح الصورة اكثر فاكثر حول حجم حروب المخابرات التي تدور في مناطق الحدود التركية السورية لكنها في الحقيقة هي حروب انطلقت من مراكز اهم هذه الاجهزة وأقواها في العالم للعب ورقة داعش على كافة المستويات وفي مختلف المحافل ولتكون فرصة تحويل الأنظار عن لكثير من الأزمات والقضايا الاقليمية والدولية فمن يفعل ذلك ؟ وما هو هدف هذا المخطط ؟ ومتى وكيف سنتخلص منه ؟

هل هي مسالة حصول احد الشبان العرب على جنسية اجنبية او وعود تلقاها من هذا النوع ليدفع المئات من الشبان العرب والمسلمين الثمن الباهظ في تبني خيار القتال الى جانب داعش  التي نعرف جميعا انها قضية خاسرة عسكريا لكنها مربحة سياسيا وأمنيا واجتماعيا كونها تجري على حساب شعوب الدول العربية والإسلامية وأمنها واستقرارها ووحدتها .

الحكاية لا بد ان تبدأ من مكان ما :

- وزير الخارجية التركي مولود شاووش اوغلو اعلن امس بشكل مفاجىء أن  الشخص الذي سهل انتقال الفتيات البريطانيات القاصرات الى سوريا للالتحاق بداعش هو عميل استخباراتي يعمل لصالح إحدى دول التحالف الدولي دون أن يسمي تلك الدولة، لكنه اكتفى بالقول "ليست دولة في الاتحاد الأوروبي، ولا أمريكا".

وتابع الوزير التركي وهو يتحدث عن التدابير الامنية الجديدة التي اتخذتها تركيا في مطارات المدن الكبرى وفي المناطق الحدودية ان الإجراء الأهم الذي يجب علينا القيام به، هو البحث في الأسباب التي تدفع بأولئك الناس للتطرّف .

وانتقد الوزير شاووش أوغلو سوء التنسيق بين الدول في مواجهة الإرهاب، مستشهداً بحالة الفتيات البريطانيات، حيث أبلغت السلطات البريطانية نظيرتها التركية عن مخاوفها من انضمامهن إلى داعش، بعد 3 أيام من وصولهن إلى إسطنبول. إضافةً للعميل الاستخبارتي الذي يتبع لإحدى دول التحالف وقام بمساعدة الفتيات،

- تفصيل اخر مهم لاستكمال خيوط القضية : حمّل السفير التركي لدى العاصمة البريطانية لندن عبد الرحمن بيلغيتش السّلطات البريطانية المسؤولية الرئيسية في قضية الفتيات البريطانيات الثلاث اللاتي قيل إنّهن عبرن الأراضي التركية إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة (داعش) قبل اسابيع .

ونقل عن السفير بيلغيتش قوله امام لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم البريطاني في كلمة يلقيها بشكل عاجل ومفاجىء  قبل ايام أنّه "لو كانت لدى تركيا معلومات تفصيلية مسبقة عن الفتيات البريطانيات الثلاث لكانت مسألة تتبّعهن والعثور عليهن أسرع بكثير".

وأوضح بيلغيتش أنّ هناك علاقات جيدة تربط بين المسؤولين الأتراك ونظرائهم البريطانيين، معرباً عن أسفه لعدم إبلاغ المسؤولين الأتراك بأسماء الفتيات الثلاث قبل تحركهن قائلاً: "لو حدث ذلك لكنّا منعناهم من دخول البلاد،

 وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند شكر من ناحيته الحكومة التركية على الجهود التي بذلتها فيما يتعلق بتحديد أماكن الفتيات البريطانيات الثلاث، اللاتي يعتقد أنهن ذهبن إلى سوريا للالتحاق بتنظيم "داعش"، بعد مرورهن عبر الاراضي التركية .

وقال هاموند إن تركيا تواجه صعوبات كبيرة لكونها ممرا للذاهبين إلي سوريا والمغادرين منها، مشيرا إلى التعاون الوثيق بين المسؤولين في بريطانيا وتركيا، وإلى المجهود الكبير الذي تبذله السلطات التركية بهذا الخصوص.

- مشهد مهم اخر استوقفنا دون ان تكتمل خيوطه ونعرف أهدافه وألغازه الى ان ظهرت التفاصيل الجديدة الى العلن معلومات أمنية تركية ذكرت قبل ايام ان نقاشا تركيا بريطانيا قد تم مؤخراً من اجل استقبال مجموعة من رجال الامن الإنكليزي في مطاري اسطنبول بهدف التنسيق والتعاون الثنائي للعثور على المواطنين البريطانيين الذين يدخلون الاراضي التركية للالتحاق بتنظيم داعش في سوريا والعراق وتوقيفهم .

اليوم فقط تتوضح اسباب هذا الأخذ والرد البريطاني لنكتشف ان انقرة ابلغت لندن بالكثير من التفاصيل والاستخبارات التي جمعتها حول ملف الفتيات البريطانيات ومن الذي سهل انتقالهم وأنها طالبت الحكومة البريطانية باتخاذ الموقف العلني الصارم والواضح كونها زودتها بالتفاصيل المؤكدة بالصور والتواريخ والأسماء والتنقلات الكاملة بعيدا عن الاعلام والصحافة .

- حلقة اخرى في النقاش تعكس جدية القضية وحجم الاخذ والرد الذي يدور بعيدا عن الاعين بين انقرة وبعض العواصم الغربية في موضوع محاولة محاصرتها في ملف داعش وهي تحرك رئاسة هيئة الأركان العامة التركية لتعلن فجأة وعلى غير عادتها انه تم إلقاء القبض على ألف و130 شخصا خلال عبورهم إلى البلاد عبر الحدود البرية بطرق غير شرعية خلال اسبوع فقط . لنكتشف انها رسالة لها علاقة مباشرة بكل هذه النقاشات التي تفجرت الى العلن حين تبين أن الثلاث فتيات، شميمة بيجوم، 15 عامًا، وكاديزا سلطانة، 16 عامًا، وأميرة عباس، 15 عامًا، كن في محطة أتوبيس "بايرام باشا "، في إسطنبول، ورصدتهن كاميرات المراقبة . وان لقطات الفيديو أظهرت أن الثلاث مراهقات كن في المحطة، بالجزء الأوربي لإسطنبول، لمدة 18 ساعة، وبكل هدوء يحملن حقائبهن ويدردشن سويًا بكل ثقة بين الحشود، يومي 17 و18 شباط المنصرم قبل ان يتوجهن الى الحدود السورية حيث قيل أنهن في قبضة " داعش"، في الرقة .

في ساعة متاخرة من ليلة امس بدات المعلومات الجديدة والساخنة تتدفق تدريجيا لتوجه لنا ان كل ما ورد حتى الان كان مبنيا على معلومات موثقة قدمتها تركيا لحلفائها الغربيين والعرب لتكشف عن  مشروع استهدافها في مخطط لعب ورقة داعش ضدها من قبل الكثيرين ولنعلم تفاصيل جديدة مثيرة حول قضية الفتيات البريطانيات وخلفياتها وخباياها .

- الشاب الذي قيل انه يعمل لصالح جهاز مخابرات اجنبية وشارك في عملية نقل الفتيات البريطانيات هو سوري الجنسية يدعى محمد الرشيد قيل انه مقرب من جناح المعارضة السورية ولقبه هو الدكتور محمد .

- اجهزة الامن التركية حددت هويته من خلال تحليل الصور والمراسلات والاتصالات الهاتفية بينه وبين الفتيات وثبت انه استقبلهم في اسطنبول ووفر انتقالهم ودخولها الى سوريا عبر التنسيق مع داعش مباشرة .

- المدعي العام طلب توقيفه في 4 الشهر الحالي بعد التحقيق معه واعترافه بالكثير من المعلومات الحساسة والخطيرة حول دوره في نقل العناصر لداعش بالتنسيق مع الاشخاص لكن التنسيق الحقيقي يقوم به مع الملحقين الدبلوماسية الكندية في عمان، وجهاز الاستخبارات الكندية، حيث ألتقى بهم عشرات المرات في عمان وغيرها من الأماكن .

- الرشيد يقول في إفادته انه كان يتحرك باوامر من المخابرات الكندية التي وعدته بمنحه الجنسية في حال تعاون معها وهذا ما فعله مقابل هذا الوعد .

- الرشيد يقول ايضا انه حصل على الاف الدولارات كانت تصله عبر بنوك ومؤسسات مالية في العاصمة البريطانية من قبل المخابرات الكندية .

- مصادر الخارجية الكندية نفت ارتباطها بالرشيد حتى الان، لكن مصادر اخرى في للخارجية الكندية تقول انها لن تعلق على مسالة تتعلق بالامن القومي الكندي .

- انقرة تقول انها اعدت ملفا موثقا حول التنسيق بين الشاب السوري والمخابرات الكندية وتنقلاته وتحركاته واتصالاته بالكنديين لكن مصادر استخباراتية تركية قالت هذا الصباح انه من المحتمل ان تكون اجهزة المخابرات الاسرائيلية هي التي استخدمت المخابرات الكندية في هذه العمليات للتمويه والتخفي وهو ما سيفجر ازمة جديدة في العلاقات التركية الاسرائيلية، الاسرائيلية الكندية، والكندية الغربية عندما تظهر التفاصيل الجديدة من جبل الثلج المأمن تحت سطح المياه .

- السؤال الذي تطرحه انقرة الان ما هي مصلحة المخابرات الكندية في لعب اوراق من هذا النوع ضدها وهل ستتعاون معها ام ستحاول تجاهل الملف .

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس