محمد زاهد جول - أخبار تركيا

عندما أصدر الرئيس التركي تصريحاته النارية ضد مشروع الهيمنة الإيرانية وغزوها الطائفي في سوريا والعراق واليمن وفي المنطقة، كان يدرك أنه بعد أسبوع واحد سيكون في طهران في زيارة رسمية ومقررة من قبل “عاصفة الحزم”، وأنه سوف يلتقي المرشد الإيراني خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني، ولذلك كان موقفاً من الشجاعة النادرة بين الرؤساء أن يقدم رئيس التحديات الكبيرة قبل زيارته إلى دولة أخرى، لأن المألوف أن يغزل ناعماً، ويعزف هادئا قبل الزيارة.

ولكن أردوغان لم يفعل ذلك، فكان صريحاً وجريئاً وشجاعاً في انتقاده لما يجده خاطئاً ولو كان من دولة صديقة، لأن الهدف كان يفرض على الرئيس التركي قولة الحق دون خوف ولا مواربة، لأن ثمن سكوته مسؤولية دماء مسلمين أبرياء يتعرضون إلى اضطهاد مذهبي وأحقاد قديمة وحديثة تسببها السياسة الإيرانية، سواء كانت من الحرس الثوري الإيراني او من المليشيات الشيعية العربية التي باعت نفسها لمن يحمل مشروع هيمنة ضد بلادهم، وضد دينهم، وضد القيم الإنسانية، وضد العدالة، وضد الحرية، وضد الاستقلال، وضد كرامة الإنسان وحرية الشعوب.

وقبل سفر أردوغان كان يعلم انه يحمل مشروعين للتباحث بهما مع الإيرانيين:

المشروع الأول: مشروع الهيمنة الإيراني المزعج لتركيا وللدول العربية، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي أردوغان قبل سفره، حتى إذا أراد الإيرانيون مواجهته به في طهران فإنه مستعد لإعادة مواقفه الأكيدة والشجاعة والجريئة، ولذلك من المؤكد ان أردوغان أسمع الإيرانيين مواقفه المعلنة، ولو لم تكن في المؤتمر الصحفي، الذي عقده مع الرئيس روحاني، لسبب نذكره لاحقا.

المشروع الثاني: الذي حمله أردوغان إلى طهران العلاقات الثنائية التركية الإيرانية، في مجالاتها الاقتصادية والسياحية والصحية والبيئية والتجارة المتبادلة بين الدولتين الجارتين وغيرها، والتي تجمعهما في علاقات تاريخية طويلة وكبيرة في الماضي والحاضر، والمأمول لها في المستقبل أن تتطور وتزداد، فقد تم الاتفاق على رفع التبادل التجاري بين الدولتين من أربعة عشر (14) مليار دولار إلى ثلاثين (30) مليار دولار، وتشجيع التبادل التجاري بالعملات المحلية لكلا الدولتين أيضا.

لذلك من المهم قبل محاسبة السياسة التركية وإصدار الأحكام عليها معرفة طبيعة السياسة التركية في العلاقات الدولية، أي في العلاقات التي تجمع علاقات بين مصالح وقيم شعوب وليس بين دول وأنظمة سياسية فقط، فالسياسة التركية شجاعة وحرة ولا تغمض عينيها عن الحق، ولكن لا تسعى إلى تخريب علاقاتها مع جيرانها لإطلاقاً، فالسياسة التركية تخطو نحو زيادة التعاون والتفاهم مع كل الدول في العالم، وبالأخص مع الدول التي تجمعها بها قواسم مشتركة كثيرة، مثل إيران والدول العربية والمجاورة لتركيا على وجه التحديد، وتفصل بين العلاقات السياسية والعلاقات التي تنتهك حقوق الشعوب ومصالحهم.

ومن هنا لا يمكن وصف سياسة أردوغان أو مواقفه بانها كانت مختلفة في طهران عن التصريحات التي اطلقها قبل أسبوع، بدليل أنه أطلقها قبل ان يزور طهران بأيام، وسمع ردود افعالها من بعض المسؤولين والبرلمانيين الإيرانيين قبل سفره، فمنهم الذين طالبوا الرئيس روحاني بإلغاء الزيارة، فلم لم يفلحوا ، ومنهم الذين طالبوا الرئيس روحاني بعدم استقبال الرئيس التركي أردوغان بحسب الأصول الدبلوماسية والأعراف المعتمدة في احترام الشخصيات الكبرى، فطالبوا بعدم فرش السجاد الأحمر امام أردوغان، ولكنهم فشلوا في ذلك أيضاً، ومنهم من طالب الرئيس روحاني بمطالبة أردوغان بالاعتذار عما قاله ضد السياسة الإيرانية، ولكنهم فشلوا فلم يقدم أردوغان أي اعتذار لا علني ولا سري، وهذا الفشل لهؤلاء الموصوفون بالمتشددين أو المحافظين كان صاحبه الرئيس الإيراني حسن روحاني، فهو الذي رفض كل هذه المطالب، لأن الرئيس التركي أردوغان ضيفه هو، وهو من وجه له الدعوة الرسمية لزيارة طهران.

هذا الموقف الصلب من الرئيس الإيراني حسن روحاني أدركه أردوغان واحترمه، ولذلك قدم الأدب الدبلوماسي، والخلق الإسلامي، في عدم إحراج الرئيس روحاني امام المتشددين الإيرانيين، وقد حقق الرئيس التركي أردوغان كل أهدافه من هذه الزيارة، فالزيارة تمت، والسجاد الحمر تم فرشه، وكان الاستقبال حافلاً وبحسب الأصول الدبلوماسية والعرف في احترام رؤساء الدول، وكافة العقود المتفق عليها وقعت، ولذلك كان من أدب الرئيس التركي أردوغان ان لا يعيد مواقفه المنتقدة والمهاجمة للسياسة الإيرانية في المؤتمر الصحفي بين الرئيسين، ودون ان يطلب ذلك منه أحد، ودون أن يتراجع عنها، ودون أن يعتذر عنها، كما طالب بعض البرلمانيين الإيرانيين.

إن السياسة التركية في تعاملها مع السياسة الإيرانية تعتبر درساً سياسياً هاماً لكل الدول الإسلامية، في أن اختلاف وجهات النظر، وعدم التوافق في العديد من المسائل، والانتقادات المباشرة والمتبادلة وإن كانت قاسية، لا يمكن أن تكون على حساب الشعوب إطلاقاً، فإساءة العلاقات التركية مع إيران سيعني معاناة لكلا الشعبين التركي والإيراني، وضرباً لاقتصاد كلا الدولتين، أي معاناة لأكثر من مائة وخمسون مليون مسلم في كلا الدولتين، بل قد تصل لخارج الدولتين أيضاً، ولذلك فإن أردوغان كان من الشجاعة ان يقدم انتقاداته للسياسة الإيرانية قبل ذهابه وليس بعد عودته، وكان من الأدب والخلق أن لا يسيء إلى مضيفه أو يحرجه.

ولذلك قدم انتقاده قبل ذهابه، حتى لا يقال بانه قد سكت حتى يكسب توقيع الاتفاقيات الثنائية، أي انه سكت لتحصيل المكاسب، ثم انتقدهم بعد عودته حتى لا يواجههم بمواقفه الإعلامية فقط، هذه السياسة الضعيفة لم يتبعها أردوغان، بل تكلم بكل شجاعة عن مواقفه ومواقف السياسة التركية في عدم الرضى عن السياسة الإيرانية، وأنها سياسة مذهبية وطائفية ومزعجة لتركيا والدول العربية، ولكن من الشجاعة أيضاً حماية مصالح الشعوب في تركيا وإيران، كما كانت انتقاداته شجاعة في حماية الشعوب في العراق وسوريا واليمن.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس