ترك برس

تظلّ أعمال المهندس المعماري العبقري "المعمار سنان"، ذات الهندسة المتقنة، دليلًا على مهارته وقدرته على تشييد أبنية تحافظ على جمالها على مر العصور. توفّي المعمار سنان قبل 433 عامًا، وفيما يلي تعريف بأعماله التي مرّت في ثلاث مراحل، الابتداء، والمهارة، والتميز.

ولد معمار سنان، لعائلة أرمنية أرثوذكسية في 28 أيار/ مايو 1489 بقرية "أغيرناص" التابعة لمدينة قيصري، وأرسلته عائلته في عام 1511 في عهد السلطان يافوز سليم، إلى مدرسة "دوشرمة" بإسطنبول التي تعلم أطفال الطوائف غير المسلمة العلوم الدينية والدنيوية، بهدف تخريج جيل متعلم ومبدع ومسلم ومخلص للدولة العثمانية.

انضم معمار سنان، الذي أعلن إسلامه ، للجيش الانكشاري في عهد السلطان سليمان القانوني، ونال تقديرا من السلطان القانوني، بعد تمكنه من تشييد جسر على نهر "بروت" في أثناء حملة "كارا بوغدان" خلال 13 يوما فقط، ثم ارتفع شأنه بعد ذلك ليغدو كبير المهندسين المعماريين، واتخذ ختمًا لتوقيعه قال فيه "العبد المحتاج الفقير كبير المهندسين المعماريين سنان"، ووضع في منتصف الختم "الفقير الحقير سنان"، وحفر في إطاره عبارة على نفس المنوال.

ظل معمار سنان، في منصب رئيس المعماريين إلى يوم وفاته، وقام خلال حياته بإنشاء 365 أثرا في أنحاء الدولة العثمانية، تميزت ثلاث منها بتفوقها المهني وبرمزيتها التي تشير إلى مرحلة بنائها، فقد أنشأ سنان جامع "شاه زادة" في فترة تدريبه وبداية مهنته، وشيّد جامع السليمانية في فترة أعماله الماهرة، ثم شيّد جامع السليمية في فترة أعماله المتفوقة، كما بنى 92 جامعًا، و52 مسجدًا، و7 دور قراءة، و20 مقبرة، و17 عمارة، و3 مستشفيات، و6 ممرات مائية، و10 جسور، و36 قصرًا، و20 خانًا للقوافل، و8 مخازن، و48 حمامًا.

يوجد 200 أثر من آثار المعمار سنان في مدينة إسطنبول وما حولها، منها 58 أثرا حافظت على أصالتها من أصل 100 في إسطنبول، وأول وأهم ما يتبادر إلى الذهن منها مآذن جامع "أيا صوفيا"، ومقبرة "القبطان دريا بارباروس خير الدين باشا" في بشيكتاش، ومجمع "عتيق والدة سلطان" في أوسكودار، وقصر "إبراهيم باشا" في ساحة السلطان أحمد، الذي يعد حاليا متحفا الفنون الإسلامية التركية.

ترك المعمار سنان العديد من الآثار في إسطنبول، نذكر منها على سبيل المثال: المسبح الكبير في "كمربورغاز"، ومجمع "كمر وزال محمود باشا" في أيوب، وحمام "خسرف كتهودا" في "أورتاكوي"، وجسر "باب أغاسي" في "حراميدره"، ومدرسة "سميز علي باشا" في الفاتح.

تصنّف أعمال المعمار سنان في ثلاث مراتب، أولها المرتبة الابتدائية ثم مرتبة المهارة ثم التفوق. وكما ذُكر سابقًا، فإن من أمثلة المرتبة الابتدائية جامع شاه زادة، الذي قام ببنائه في الفترة ما بين عام 1543 و1548، حيث وصف عمله هذا بأنه عمل تدريبي، فقد قام ببناء الجامع بأربع أنصاف قبب، حيث وضع قبة كبيرة نصف كروية وأحاطها بأربع أنصاف قبب.

أما جامع السليمانية، فقد وصف بناؤه بالبناء الماهر، حيث وضعت له قبة كبيرة بلغ قطرها 27,5 مترا، مشابهة لنصف قبة أيا صوفيا، ووضعت فيه مآذن بأحجام مختلفة في زوايا فناء الجامع، كما أنشأ سنان شرفتين للمآذن بارتفاع 56 مترا في القسم الشمالي لفناء الجامع.

أما المئذنتان المجاورتان للجامع، فقد قام ببناء ثلاث شرفات في كل منها بلغ ارتفاعها 76 مترا، كما فتح 32 نافذة في الجامع بهدف توفير إضاءة جيدة، واشتمل محيط فناء الجامع على 28 رواقا، كما وضعت في منتصف الفناء المبني على مخطط مستطيل نافورة، ويوجد أيضا قبر السلطان سليمان القانوني وزوجته حُرّم سلطان في الفناء الخارجي لجامع السليمانية.

تعتبر أعمال المعمار سنان تحفًا فنيةً إسلامية، ويوصف أحد أهم أعماله، جامع السليمية في أدرنة، بأنه من أبرز الأعمال الرائدة في الفن التركي العثماني والتاريخ المعماري العالمي. أنشئ الجامع في عهد السلطان سليم الثاني، وقد تميزت عمارته أولًا باختيار مكان إنشائه على منطقة مساحتها 2475 متر مربع، وبُنيَ من الحجر المقطوع على مساحة 1620 متر مربع، وترتفع قبته عن الأرض 43,28 مترا، كما تجذب الانتباه بقطرها البالغ 31,30 مترا وبمآذنه الأربعة، تقع قبّته التي تعد أكبر من قبة أيا صوفيا، على 8 أعمدة كبيرة متصلة فيما بينها بأقواس عرضها 6 أمتار في الأربع زوايا، كما تدعم شبه قبة في مكان المحراب القبة المركزية.

توفي معمار سنان في إسطنبول يوم 9 نيسان/ أبريل 1588، عن عمر ناهز 98 عاما، ويطلق المؤرخون على الفترة التي عاش فيها اسم "عصر سنان".

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!