رحيم أر – صحيفة تركيا – ترجمة وتحرير ترك برس

الوعود الانتخابية التي طرحها زعيم حزب الشّعب الجمهوري والتي تخصّ السورييّن، تُعتبر بمثابة الطّعنة الجارحة لقلب الإنسان. فالسيد كمال كلجدار أوغلو يتعهّد بإعادة السوريّين في حال نجاحه في الانتخابات البرلمانية وتسلّمه زمام الأمور في تركيا. فبأي منطقٍ يطلق هذا الرّجل مثل هذه التّصريحات. فما الذي تغيّر في سوريا كي يقوم كلجدار أوغلو بإعادة السوريّين إلى ديارهم.

هل تمّ القضاء على بشار الأسد الذي تفوّق على أبيه في الظّلم وحلّ مكانه من هو أفضل منه كي ينوي السيد كلجدار أوغلو ترحيل السوريّين؟.

أو هل قدّم بشار الأسد وعوداً قطعية بعدم المساس بالسّوريّين الذين فرّوا من ظلمه إلى البلدان المجاورة في حال عودته إلى حضن الوطن؟

أو هل تغيّرت العقلية الظّالمة التي تحكم سوريا بقبضة من حديد. وأقصد هنا هل تغيّر الفكر البعثي المسيطر على قيادات النّظام السوري؟.

سوريا لم تشهد أي تغيير منذ أربع سنوات. فالصّراع الدّاخلي مستمر ومع مرور الأيام، فإنّ الأوضاع الدّاخلية في هذا البلد تزداد سوءًا. ومع استمرار الوضع السوري على هذا المنوال، فمن غير المنطقي تسليم هؤلاء السوريّين الذين ذاقوا الأمرّين من النّظام البعثي إلى بشار الأسد. وفي حال حدوث ما يتوعّد به كلجدار أوغلو بحقّ السوريّين، فإنّ مصير هؤلاء معروف. إمّا أن يُعدموا أو يقتلوا بالرّصاص الحي أو أن تكون سجون الأسد مسكناً لهم إلى ما لا نهاية.

ومع إطلاق كمال كلجدار أوغلو لهذا الوعد الانتخابي، استنتجنا أنّ العقلية الحاكمة في هذا الحزب لم يطرأ عليها أي تغيير. فهذا الحزب كما كان قبل عقود، سيظلّ مستمراً هكذا، متمسّكاً بفكرة التّفرد في السلطة والاستبدادية المطلقة تجاه الأجانب.

فالكلّ يعرف قصّة الأذريّين الذين عبروا نهر "آراز" ولجؤوا إلى الأراضي التركية وبالأخص إلى ولاية قارس التركية بغرض الاحتماء عند أبناء جلدتهم الأتراك هاربين من ظلم "ستالين". والكل يعلم كيف أنّ زعيم حزب الشّعب الجمهوري "عصمت إينونو" قام في عام 1946 بإعطاء أوامره بضرورة تسليم هؤلاء الأبرياء إلى القوات الرّوسية وعلى جناح السّرعة. حينها ذهل القائد العسكري التركي الذي كان يشرف على حماية الحدود هناك. لكنه أُجبر على تنفيذ الأوامر وقام بتسليم الأذريّين إلى الرّوس وعيناه تمتلئان بالدّموع حزناً على المصير المأساوي الذي ينتظرهم.

عندما تسلّم الضّابط التركي برقية عصمت إينونو قام بشرح محتوى البرقية لهؤلاء الأبرياء وعيناه تذرفان دموعاً لشدّة حزنه على المصير الذي ينتظرهم. وعندما علم هؤلاء الأذريّون بأنّ القيادة التركية اتّخذت قراراً بتسليمهم للقوات الرّوسية، قاموا بالتّوسّل للضّباط الأتراك الموجودين على الحدود بأن لا يسلّموهم للرّوس وبأنّهم يفضّلون الموت في تراب الأناضول تحت العلم التركي وبرصاصةٍ تركية. إلّا أنّ الضّابط المشرف ما كان بوسعه إلّا أن يقوم بتنفيذ الأوامر التي صدّرت من القيادة. وبالفعل قامت القوات الرّوسية بإعدام هؤلاء الأذريّين فور استلامهم إيّاهم وعلى الجانب الآخر من النّهر وأمام مرأى الضّباط الأتراك.

وأمام هذا المنظر المروّع قام الضّابط التركي بإطلاق رصاصة على رأسه ليكون الشّهيد رقم 147 في ذلك اليوم الذي دوّنه التّاريخ على صفحاته السوداء ونقش اسم حزب الشّعب الجمهوري على رأس تلك الصّفحة.

لا أستطيع أن أستوعب هذه الرّغبة الدّفينة لدى قيادات حزب الشّعب الجمهوري، لماذا يصرّون على ارتكاب مثل هذه المعصية مُجدّداً قبل أن يتوبوا من هذه المعصية الكبيرة التي ارتكبوها بحقّ الأبرياء عام 1946. فالسوريون وبغضّ النّظر عن كلّ شيء، هم بشر مثلنا وكانوا ينتمون إلى هذه الدّولة قبل 95 عام. والأهم من هذا، فإنّ هؤلاء إخوة لنا في الدّين. فأغلب هؤلاء السوريّين هم من الأصول التركمانية الذين يتبعون للسلاجقة الذين استوطنوا في هذه البقعة الجغرافية.

الدّولة التركية وعلى مرّ التّاريخ فتحت أبوابها في وجه المظلومين الذين أتوا إليها بقصد الاحتماء من ظلم الطّغاة. فقد فتحنا أبوابنا في وجه اليهود الذين فرّوا من الظّلم الذي تعرّضوا له في ألمانيا وإسبانيا، كما احتضنت هذه الدّولة المظلومين الذين هربوا من بولونيا والرّوس الذين هربوا من ظلم الإحتلال البلشفيكي، حتّى أنّنا فتحنا أبوابنا في وجه لهؤلاء الذين فرّوا من ظلم خامنئي في إيران. وفتحنا أبوابنا للفاريّن من ظلم العميل الرّوسي " نجيب الله" الذي مارس شتّى أنواع الظّلم للشعب الأفغاني، كما رحّبنا بالذين هربوا من ظلم صدام حسين في العراق من دون تمييز عرقي أو مذهبي. وحصل معظم هؤلاء الذين استوطنوا داخل الأراضي التركية، على الجنسية التركية وأصبحوا مواطنين من الدّرجة الأولى.

ومع لمعان التاريخ التركي بكلّ هذه الحقائق المشرّفة لهذه الدّولة، كيف يجرأ حزب الشّعب الجمهوري على إطلاق مثل هذه الوعود. فلو كان المشهد السوري عكس ما يجري الآن، ولو أرغمت الطائفة العلوية للجوء إلى الأراضي التركي، فهل كانت قيادات هذا الحزب سيطلقون نفس الوعود يا تُرى؟.

أعتقد أنّ هذا الوعد الذي قطعته قيادات حزب الشّعب الجمهوري، كفيل بأن يخسر هذا الحزب الكثير من أصوات مناصريه خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وأمام هذا الوضع يجب على حزب العدالة والتنمية أن يعِد السوريّين بمنحهم الجنسية التركية. وعلى قيادة حزب العدالة والتنمية أن تعلن بأنّ السوريّين لهم الخيار بعد ذلك في العودة إلى بلادهم بعد أن تستقرّ الأوضاع الأمنية في بلادهم وحينها يكون هؤلاء مواطنين لكلا الدّولتين. ويشكّلون جسراً بين تركيا الجديدة وسوريا الجديدة.

على حزب العدالة والتنمية أن يطلق هذا الوعد وأن يعمل على تنفيذه، لما لهذا الوعد من منافع عديدة للدّولة التركية في المستقبل.

عن الكاتب

رحيم إر

كاتب في صحيفة تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس