ترك برس

سلّط تقرير للكاتب التركي، محمد آلاجا، الضوء على انعكاسات التوافق بين حكومتي أنقرة وبغداد، على توازنات الجماعات المسلحة في العراق، وفي مقدمتها تلك المدعومة من قبل إيران.

التقرير الذي نشره مركز "أورسام" التركي لدراسات الشرق الأوسط، يرى أن التحدي الرئيسي الذي تواجهه تركيا في بناء علاقات وثيقة مع العراق هو الصراع الداخلي بين حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في البلاد. وبالتالي، تضطر أنقرة إلى العمل بعناية على بناء علاقات مع بغداد مع إبقاء الجماعات المسلحة تحت المراقبة.

وفيما يلي النص الكامل للتقرير:

التقلب في القناة الأولى

إن القناة الأولى للتواصل التركي مع العراق هي الحكومة المنتخبة، التي كانت علاقاتها متقلبة مع أنقرة منذ سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003. وفي حين كانت أنقرة تأمل في البداية أن يتولى السنة السلطة في العراق بعد الإطاحة بصدام بقيادة الولايات المتحدة، فإنها في نهاية المطاف أقامت علاقات متوترة مع بغداد أثناء إدارات رئيس الوزراء الشيعي الموالي لإيران نوري المالكي (2006-2014). من ناحية أخرى، فإن رغبة تركيا في سد فراغ السلطة الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011 والجهود التي تبذلها لتطوير العلاقات مع الأكراد العراقيين، أدت إلى زيادة توتر علاقات أنقرة مع بغداد. فضلًا عن ذلك، فإن السياسات المناهضة لتركيا والسُنّة التي انتهجها المالكي بقوة دفعت أنقرة إلى تعزيز علاقاتها مع إقليم شمال العراق.

واصل حيدر العبادي (2014-2018) الذي خلف المالكي، النهج العدائي تجاه أنقرة في بداية إدارته. وأدى ظهور تنظيم "داعش" إلى صب الزيت على النار، حيث أدى نشر جنود أتراك في قاعدة بعشيقة العسكرية بالقرب من الموصل في شمال العراق في ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى تصعيد التوترات بين البلدين. في الواقع، احتجت الحكومتان العراقية والإيرانية على أن الجيش التركي ليس لديه تفويض لدخول العراق. ومع ذلك، فإن استفتاء استقلال إقليم شمال العراق عام 2017 دفع أنقرة إلى الابتعاد عن أربيل والعودة نحو بغداد. ولعب الرفض المشترك للاستفتاء دورًا مهمًا في استعادة علاقة تركيا بالحكومة العراقية.

وتحسنت العلاقات الثنائية بشكل كبير منذ ذلك الحين. ففي عام 2018، تعهدت أنقرة في مؤتمر بالكويت بدفع مبلغ 5 مليارات دولار أميركي لبغداد لإعادة الإعمار. في المقابل، تزايد عدد الزيارات المتبادلة خلال إدارة العبادي وخلفه عادل عبد المهدي  2018-2020) لتبلع ذروتها في عهد الكاظمي. ورغم تحسن العلاقات بين أنقرة وأربيل بعد فترة وجيزة من فشل استفتاء الاستقلال، أظهرت تركيا تفضيلها لبغداد من خلال التأكيد على وحدة أراضي العراق في كل فرصة ممكنة.

وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين بغداد وأنقرة، حال عدم الاستقرار السياسي في العراق دون ترسيخ هذه العلاقات. ويؤثر السياسيون الشيعة المدعومون من إيران والجماعات المسلحة في العراق على آليات صنع القرار، فضلاً عن خلق منطقة من التوتر بين القوى الإقليمية. ورغم أن موقف الكاظمي الذي يعطي الأولوية لسيادة العراق ويهدف إلى تقليل نفوذ إيران، يساعد في تحقيق الأهداف التركية، فإن استمرار نفوذ القوات المدعومة من إيران يضيق نطاق عمل تركيا الطويل الأجل.

المنافسة مع القناة الثانية

في حين أقامت أنقرة علاقات جيدة مع الحكومة الحالية في بغداد، بقيت علاقتها مع القوات الموالية لإيران في العراق عدائية. وتسعى هذه الجماعات المسلحة، التي تشكل القناة الثانية في العراق، إلى منع جهود تركيا لإضفاء الشرعية على وجودها العسكري في البلد من خلال الجهود الدبلوماسية مع كل من أربيل وبغداد. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هذه الجماعات المسلحة لا تريد لأي بلد أجنبي أن يتحرك داخل العراق بدون إذن من إيران. وتشكل الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي تستهدف القوات الأميركية والدولية أمثلة واضحة على هذه الرغبة. ورغم عدم تبني أي مجموعة مسؤوليتها، فإن الهجوم الأخير على قاعدة بعشيقة العسكرية في 14 أبريل/نيسان بعث نفس الرسالة ضد الوجود السياسي والعسكري والاقتصادي لتركيا في العراق. كما أكد الهجوم أيضًا على أن التهديدات الموجهة ضد تركيا تحولت من أقوال إلى أفعال.

ومن المؤكد أن أي محاولة تركية لبناء علاقة مع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران ستؤدي إلى تفاقم العلاقات مع بغداد. لكن عوامل عدة أدت إلى اكتساب إيران والقوات التي تدعمها دورًا كبيرًا في العراق. ومن هذه العوامل، الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وإدارة المالكي التي استمرت ثماني سنوات، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية. وتكمن أهمية الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في القتال ضد داعش، في أنها سمحت بشكل خاص بزيادة الدعم على الأرض. وأدى الاعتراف الرسمي من قبل العراق بقوات الحشد الشعبي، المنظمة الجامعة التي تسيطر عليها بشكل أساسي الجماعات المسلحة الموالية لإيران، إلى زيادة نفوذ إيران على الأجهزة الأمنية العراقية.

وأدت المكاسب الضخمة التي حققتها القوات المدعومة من إيران في البرلمان العراقي بعد انتخابات 2018 إلى زيادة تأثير إيران على المشهد السياسي العراقي. ونتيجة لذلك، تباطأ سعي تركيا إلى توسيع نفوذها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي في العراق.

ورغم هذه الانتكاسة، قامت تركيا مؤخرًا بتحصين قواعدها العسكرية وزيادة عملياتها في شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني، وهو المجموعة التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية. وعلاوة على ذلك، تدعم أنقرة بقوة الصفقة التي وقعت بين بغداد وأربيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 والتي تسعى إلى "استعادة الاستقرار وتطبيع الأوضاع" إلى جانب إخراج قوات حزب العمال الكردستاني وقوات الحشد الشعبي من شمال العراق. وذكرت تركيا صراحة أنها لن تسمح أبدا بأن تصبح بلدة سنجار في شمال العراق " قنديل ثاني"، في إشارة إلى المنطقة الحدودية العراقية التي تعتبر مقرًا لحزب العمال الكردستاني.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الوثيقة بين قوات الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني في سنجار ليست سرًا. ففي حين تنفي وحدات مقاومة سنجار أي ارتباط تنظيمي مع حزب العمال الكردستاني، يشير الكثير من المراقبين إلى الطرفين بالتبادل. وعلى هذه الخلفية، أفادت التقارير أن أعضاء وحدات مقاومة سنجار الذين يتلقون رواتب من قوات الحشد الشعبي يتقاسمون هذا الدخل مع أعضاء آخرين من خارج قوات الحشد الشعبي.

في غضون ذلك، هددت عصائب أهل الحق المدعومة من إيران بمحاربة تركيا إذا اتخذت أنقرة خطوة في سنجار. علاوة على ذلك، انتقد سفير إيران لدى العراق إيراج مسجدي، تركيا في شباط / فبراير لانتهاكها سيادة العراق. ولا بد من فهم الخطاب القاسي للقوات الموالية لإيران في العراق في سياق التنافس المستمر بين أنقرة وطهران بشأن مسائل السياسة الخارجية الأخرى، بما في ذلك سوريا وأذربيجان.

توازن دقيق
وفي حين أن حكومات ما بعد عام 2003 في العراق كانت ضعيفة وغير مستقرة، فإن الجماعات المسلحة المتجذرة  لا تزال العامل الرئيسي المحدد لعلاقات العراق مع البلدان الأخرى. لذا يتعين على تركيا أن تدرك أنه على الرغم من أن العلاقات مع حكومة الكاظمي مؤقتة، إلا أن العلاقات مع الجماعات التي تدعمها إيران تبدو وكأنها ستستمر على المدى الطويل.

ويجب على أنقرة أن توازن بين هذه الأطراف من خلال تطوير العلاقات في العراق مع جميع الطوائف العراقية، سواء أكانوا من السنة أو الأكراد أو الشيعة، بما في ذلك رجل الدين الشيعي الكبير آية الله العظمى علي السيستاني. ومن ناحية أخرى، تستطيع تركيا أن تستخدم علاقاتها مع إيران من أجل الحد من التأثير السلبي على العلاقات بين أنقرة وبغداد الذي تسببه الجماعات السياسية والمسلحة المدعومة من طهران، مع العلم أن إيران لديها سلطة مطلقة على هذه الجماعات.

ونظرًا لأن إيران كانت تتنافس إقليميًا مع تركيا، فإن فكرة محاولة تقييد هذه الجماعات بمساعدة طهران قد لا تتحقق. علاوة على ذلك، يمكن لأنقرة أن تفتح مسارًا محدودًا آخر للخروج من الأزمات بأقل ضرر ممكن من خلال العلاقات الدبلوماسية عبر القنوات الخلفية مع قادة الجماعات السياسية والمسلحة المدعومة من إيران.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!