الخليج أونلاين

أقل من شهر يفصل تركيا عن استحقاق انتخابي مهم، متمثل بالانتخابات البرلمانية التي تعقد كل أربعة أعوام، إذ ستشهد الدورة المزمعة في السابع من يونيو/ حزيران حالة متعاظمة من التنافس والحشد من قبل الأحزاب المختلفة، والتي ترى فيها انتخابات مصيرية لمستقبلها ومستقبل النظام السياسي في البلاد بأسره.

وتجمع استطلاعات الرأي على أن نتيجة الانتخابات ستكون محسومة لصالح تصدّر حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، إذ سيفوز بأغلبية مريحة ستمكنه من إعادة تشكيل حكومته، لكن نسبة المقاعد التي سيحصل عليها ستحدد مدى نجاح أطروحته الخاصة في تحوير النظام السياسي نحو الشكل الرئاسي، كما تعدّ المعركة الانتخابية حساسة أيضاً لمصير المكوّن الكردي، ومستقبل عملية المصالحة ما بين الأكراد والدولة.

ويرصد "الخليج أونلاين" في هذا التقرير، أهم الأحزاب السياسية المتنافسة على مقاعد البرلمان التركي البالغة 550 مقعداً، ويتناول حظوظ كل حزب منها وفق تقديرات مراكز الاستطلاع غير الحكومية، والتي طالما أعطت أرقاماً مقاربة جداً للواقع في الشارع، خلال تاريخ الاستحقاقات البلدية والبرلمانية ومؤخراً الرئاسية في تركيا.

- أولاً: حزب العدالة والتنمية (AKP)

كما هو معروف، فهو الحزب الحاكم لثلاث دورات برلمانية ماضية، وقد تأسس رسمياً عام 2002. خرج العدالة والتنمية من عباءة المفكر الإسلامي نجم الدين أربكان، بعد أن قادت سطوة الجيش وذريعة حماية مفاهيم العلمانية إلى حلّ أحزاب "الرفاه" و"الفضيلة"، في حين صمد العدالة والتنمية برؤاه البراغماتية وتأكيده على احترام علمانية الدولة، إلى جانب نجاحاته الاقتصادية الملحوظة.

ترجّح استطلاعات الرأي أن يحصل "العدالة والتنمية" على نسبة تتراوح بين 46-48% من الأصوات.

التحدي الأكبر أمام الحزب هو أن يوصل أكبر عدد ممكن من مرشحيه إلى البرلمان، أو أن يتحالف تحت القبة مع أكبر عدد ممكن من النواب المستقلين، وذلك بغرض الحصول على نسبة الثلثين من المقاعد، من أجل التصويت على اعتماد النظام الرئاسي، الذي يمنح مؤسسة الرئاسة التي يهمين عليها مزيداً من الصلاحيات، ويختصر عمر القرار السياسي في الأروقة البيروقراطية للدولة. أو الحصول على نسبة النصف زائد واحد (وهو السيناريو الأرجح)، من أجل عرض إقرار النظام الرئاسي على استفتاء شعبي.

- ثانياً: حزب الشعب الجمهوري (CHP)

وهو الحزب الذي أنشأه مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك عام 1923. ويمثل الحزب القلعة الحصينة للعلمانية في تركيا، ويستقطب اليساريين والعلمانيين وبعض القوميين، ويُتعارف هذه الأيام على تسمية زعيمه بزعيم المعارضة إذ إنه أكبر الأحزاب المعارضة للعدالة والتنمية سياسياً وأيدلوجياً. وترجّح الاستطلاعات أن يحرز الحزب ما نسبته 24-26% من الأصوات.

ويبدو التحدي الأكبر أمام الحزب ألا يُمنى بخسارة لحصته التقليدية من مقاعد البرلمان في ظل تحدّيين اثنين، أولهما أن انشقاقاً مؤلماً وقع داخل صفوفه أواخر العام الماضي بعد تقديم عدد من سياسييه استقالتهم وتأسيسهم حزب "الأناضول". والثاني أن صورة زعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو تعرضت للعديد من الهزات بفعل هفواته الإعلامية وانتقادات وجّهها له أنصار الحزب. ويرى مراقبون أن خسارة الحزب ستضع زعيمه تحت ضغط الاستقالة، وهو التقليد السياسي المتعارف عليه في الدول المتقدمة التي تسعى تركيا للوجود على خريطتها، وما زال مشهد استقالة الأحزاب الخاسرة في الانتخابات البريطانية حاضراً.

- ثالثاً: حزب الحركة القومية (MHP)

وهو حزب قومي بامتياز، يصنّف على أقصى خريطة اليمين، تأسس عام 1965. يتمترس الحزب خلف القضايا التي تمس الهوية التركية والشعور القومي المتشدد للأتراك، فهو على سبيل المثال يعارض الانضمام للاتحاد الأوروبي، وينتقد عملية السلام مع الأكراد.

تعكس الاستطلاعات حصول الحزب على نسبة تراوح بين 13-17% من الأصوات.

ويبدو التحدي الأكبر للحزب هو إثبات الوجود داخل البرلمان، من أجل التصدي لمشروع "العدالة والتنمية" في اعتماد النظام الرئاسي، إلى جانب عرقلة أي تسوية نهائية في ملف المصالحة ما بين الأكراد والدولة.

يرى بعض المراقبين أن "العدالة والتنمية" الذي انفتح في السنوات الأخيرة بشكل كبير على المكونات الكردية ومنحها العديد من الحقوق والامتيازات، قد يخسر نسبة من أصوات مؤيديه المتوجّسين من الملف الكردي لصالح حزب الحركة القومية.

- رابعاً: حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)

حزب يساري كردي تأسس رسمياً عام 2012، وهو يعد أول إطار سياسي جامع للأكراد يخوض الانتخابات البرلمانية في تركيا، بعد أن كان السياسيون الأكراد يسعون لدخول البرلمان عبر ترشحهم كمستقلين.

استطلاعات الرأي تعطي الحزب نسبة تتراوح بين 6-9%، وهي نسبة حرجة قد تخلق مفاجآت تنعكس على كامل الخريطة الانتخابية.

أما التحدي الأكبر للحزب فهو تجاوز حاجز الـ 10% من الأصوات حتى يتمكن من دخول البرلمان، ولا تذهب الأصوات التي أحرزها سدى. فوفق الدستور التركي، يشترط لأي حزب من أجل دخول البرلمان أن يحصل على حدّ أدنى 10% من أصوات المقترعين، وإلا فإن المقاعد التي نالها ستوزّع على بقية الأحزاب وفق تصدّرها لنسب التصويت.

وعند الجزئية الأخيرة تحديداً إشارة لا بد منها، فهي لن تقرر فقط مصير حزب الشعوب الديمقراطي، إنما ستؤثر على حصة "العدالة والتنمية" في البرلمان بوصفه المتصدّر لبقية الأحزاب. فإما أن يعجز "الشعوب الديمقراطي عن تحقيق سقف 10% من نسبة التصويت الإجمالية وتذهب مقاعده بالدرجة الأولى لصالح "العدالة والتنمية"، وإما يخسر الأخير هذه الفرصة.

ووسط هذه الخريطة، قد يتساءل المتابع أين هم أنصار جماعة فتح الله كولن (أو ما باتوا يوصفون في تركيا بالكيان الموازي)، وهو تساؤل لم تُحسم إجابته رسمياً بعد، فيما التقط مراقبون عدة إشارات لميل أنصار الجماعة للتصويت لصالح "الشعوب الديمقراطي" في سبيل تقليص حصة العدو اللدود للجماعة (العدالة والتنمية)، وذلك على الرغم من برود العلاقة التاريخية بين الجماعة والأكراد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!