محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس

يناقش القادة العسكرين الاتراك وعلى كافة المستويات الخلافات التركية مع اليونان في مايخص بالنزاعات القائمة حول الجزر المتنازع عليها في بحر أيجه مع تزايد اختراقات الطائرات اليونانية للمياه الإقليمية في بحر أيجه بالإضافة الى تشغيل صواريخها ال أس 300 الروسية الصنع ضد طائرات سلاح الجو التركي وكانت اخر هذه التجاوزات عندما فتحت رادارات تلك الصواريخ للطائرات التركية المرافقة للقاصفة التابعة لجيش حلف الناتو .
بالتأكيد أن مناقشة القادة العسكريون الاتراك لمسألة احتمالية نشوء حرب محدودة أو حرب شاملة مع اليونان مايبررها تماما فقد عمدت الإدارة الامريكية الى خلق نوع من التوتر الغير المبرر بين الدولتين الجارتين من خلال تكديس ترسانة الأسلحة في القواعد الامريكية على الأراضي اليونانية بالأضافة الى تزويد الجيش اليوناني بكميات ضخمة من الأسلحة الهجومية والدفاعية ، فضلا عن نشاط فرنسا الداعم لأثارة المزيد من الخلافت اليونانية مع تركيا ، كما أنها تراجع مع قيادة أثينا بأستمرار لمنع أي تواصل بين اليونانيين والأتراك وحتى أفشال ماتقدم ومن نجاحات في حوارات سابقة .
أليونانيون يدركون وكما يدرك الاتراك أن أية نزاعات مسلحة مهما كانت حجمها وتشظيها لن تكون بمعزل عن الوضع الدولي الراهن في شمال وشرق القارة وأقصد بحرب روسيا وأوكرانيا ، كما أنها ستؤثر بشكل مباشر على تحركات تركيا في حدودها الشرقية والجنوبية في حال أحتاجت تركيا لذلك للدفاع عن حدودها وأمنها القومي .
من هذا المبدأ وفي سبيل أشغال تركي بوضعها الداخلي وحماية كيانها من خلال حماية حدوده يتم اشغالها بتسعير خلافات قديمة متجددة ، وهذه الخلافات التي مضى عليها مايقارب القرن كانت ومازالت كالقنابل الموقوتة جاهزة للأنفجار بعد الضغط على أزرار توقيتاتها من قبل بعض الدول ، حتى ليشعرنا ان تلك الجزرالمتنازع عليها قد هيأت تماما لأيجاد نزاعات متى ماشاء المستفيدين منها .
أذن أن أثارة  النزاع بين تركيا هو لأشغال تركيا تماما عن مهامها ومصالحها وأن النزاعات الإقليمية هي اكثر مايثير ريبة الاتراك ، لأن تلك النزاعات وعدم الاستقرار سيؤدي الى ضرب مصالحها بصورة مباشرة ، لأنها تعتبر أن مصالحها مع أستقرار المنطقة برمتها تماما وخصوصا في العراق والدول العربية وحتى البلقان والخليج العربي والبحر الأحمر وأفريقيا .
أولى الدول الإقليمية التي تبعث أشارات عدم أستقرار في الأيام القادمة هي العراق والتي مابرحت أن خرجت بصورة مؤقتة من اتون حرب أهلية بين قوتين تتبنيان اتجاهين مختلفين تماما مع كونها من طائفة واحدة ، وهذا المخيف في الامر كثيرا ، لأن اشعال فتيل الحرب الاهلية بينهما يعني تماما نهاية دولة العراق ، أو على الأقل الجزء الكبير منها ، ومع تصاعد التخوف من نتائج هذه المعضلة على الوطن العراقي – يبدو أن جهات خارجية قد تهيات تماما لقطف ثمارها – وهذا يعني أن التدابير التصعيدية هي جزء من مخططات خارجية أقليمية ودولية .
المدهش حقا في هذه الضبابية القائمة على الجو العراقي حاليا يقوم رئيس المخابرات التركي هكان فيدان بزيارة غير معلنة وفجائية الى العراق ، والمعروف أن هذا المسؤول التركي لن يبرح موقعه مع تحركات الرئيس أردوغان في معظم زياراته ، وأن وجوده هي أيقونة دالة على المهمة الصعبة التي ينفذ بها أردوغان زياراته ، ومعلوم أيضا ان المسؤول هكان فيدان قد تراجع عن ترشيح نفسه عن الانتخابات التشريعية بطلب من الرئيس اردوغان شخصيا ، كما طلب منه البقاء في مهمته ومنصبه الاستراتيجي.
التساؤل المشروع الذي لابد ان ندركه في سياق كتابتنا وتحليلنا هي كون تركيا دولة عضو في الناتو وانها القوة الثانية او الثالثة في هذا الحلف وأن الجيوش الثلاثة التركية ترتبط بشكل مباشر وفوري مع رفع قوات الناتو  لدرجة استعداده ، كما انها تعتبر الدولة أو الحصن الأخير للناتو مقابل حلف وارشو القديم والاحلاف المستجدة بعد نهاية الحرب الباردة ، وان هكان فيدان هو الرجل الذي يملك الأوراق السرية للدولة التركية مثلما يملك الأوراق والملفات السرية للناتو ، وهذا يؤكد لنا أن وجود هكان فيدان في العراق يشبه الى حد كبير زيارات مسؤولي الناتو وقادة عساكرها – ان لم نقل أنها تشبه زيارات مستشاري الامن القومي الأمريكي على وجه الدقة .

والمثير في امر زيارة رئيس المخابرات التركي هكان فيدان هو اجتماعه بقادة حركة تقدم السنية في منزل خميس الخنجر ، لأن هذا اللقاء يختلف تماما عن لقاءه مع قيادات الدولة كرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان العراقي ، لأن المتوارد بان تركيا هي التي أشرفت بصورة غير مباشرة على تأسيس هذه التشكيلة الواسعة من قادة السنة في أثناء زيارة الحلبوسي وخميس الخنجر الى العاصمة التركية أنقرة قبل اجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق .
ان تركيا قد تعهدت سابقا ولعدة مرات أنها لن تتدخل في الشأن العراقي وعلى لسان قادتها ومسؤوليها وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، مثلما تقف على مسافة واحدة من كل أبناء الشعب العراقي  وأيضا حسب تصريحاتهم ، وأن أجتماع المسؤول الاستخباراتي مع قادة هذه الجهات السياسية يعني أن هناك أمور لابد من توضيحها على المقربين منهم ، أو تحذيرهم من الاستهداف في حال وقوع حرب أهلية لاسامح الله في العراق.
المعلومات التي ترد تؤكد أن بعض الجهات تحاول فتح جبهة خارج البيت الشيعي تكون مرمى للسهام كما انها تكون اللصقة والوصفة التي تجمع هذه الأطراف مع بعضها وبذا تدعم توحدها وتستعيد عداوتها لجهة طالما خدمت بقاءها .
وهذا يذكرنا من جديد بأن لامصلحة لتركيا في وصول العراق الى مرتبة اللاأستقرار الدائم وأن معالجة القضايا والمصير يجب أن يتم من خلال الحلول الداخلية حتى لاتكون مسوغا للتدخل الإقليمي والدولي ، والنزاع في العراق يعني النزاع في حدود دولتها ويعني المزيد من عدم الاستقرار المؤثر بشكل غير مباشر على مصالحها .

عن الكاتب

محمد قدو الأفندي

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس