
توران قشلاقجي - القدس العربي
كجاجي زاده فؤاد باشا؛ شخصية دبلوماسية برزت إبان فترة انهيار الدولة العثمانية، وشاركت في صياغة «التنظيمات» (الإصلاحات) مع رشيد باشا وعلي باشا. كان فؤاد باشا يتابع التطورات السياسية في أوروبا عن كثب، ويؤمن بأن الدولة العثمانية لا يمكنها الحفاظ على وجودها إلا إذا استفادت من موازين القوى بين الدول الأوروبية. شغل خلال حياته (1814-1868) مناصب مهمة في العديد من الدول العربية، بينها ليبيا ومصر ولبنان وسوريا والعراق. ولا يزال اسمه معروفا في تلك البلدان إلى اليوم، كشخصية بيروقراطية ودبلوماسية بارزة كانت تمثل الدولة العثمانية هناك. كما اشتهر فؤاد باشا بإتقان اللغات الغربية، وشغل منصب الصدر (الوزير) الأعظم مرتين، ومنصب وزير الخارجية لما يقرب من عشر سنوات.
كان والد فؤاد باشا؛ كجاجي زاده عزت مُلا، من كبار رجالات الدولة العثمانية أيضا، وأحد أهم شعرائها. وعرف بعدم تردده في إبداء رأيه، حتى لو كان محاوره سلطانا. وتعرض بسبب ذلك للنفي مرات عدة. وفضّل فؤاد باشا السير على درب والده في السياسة، فلم يتوان إطلاقا عن قول الحق. وعلى الرغم من أن خطاباته الصريحة لم تكن تعجب السلاطين العثمانيين الذين عمل معهم، إلا أنهم كانوا يعلمون بأنه ينحدر من عائلة تتحدث للدفاع عن الحقيقة وحماية مصالح الشعب. وتميّز باستخدام النُكت والطرافة في الخطاب لكن بحذاقة. وكان استخدام النُكت بطريقة محكمة من قبل رجل الدولة أثناء الحديث، تشير دائما إلى ذكائه. وسنذكر أدناه بعضا من النُكت السياسية التي اشتهر بها فؤاد باشا.
في عام 1867، رافق فؤاد باشا السلطان عبد العزيز في زيارة قام بها إلى باريس ضمن جولة أوروبية، وهناك سمعت الإمبراطورة أوجيني (زوجة نابليون الثالث)، أن فؤاد باشا، قال عبارة مفادها إنه «ما من امرأة في العالم مستحيلة المنال».. وأثناء مأدبة أقيمت على شرف السلطان، قالت أوجيني لفؤاد باشا بصوت يسمعه الجميع:
– هكذا تعتقدون إذن! انظروا إليّ؛ إنني إمبراطورة تمتلك السلطة والمال والمجوهرات.. على سبيل المثال، كيف يمكنكم خداعي؟
– فردّ عليها فؤاد باشا: يمكنك عرض المزيد من كل شيء يا صاحبة الجلالة.
– مثل ماذا؟
– المزيد من المجوهرات والقوة والمال
– كم من المال مثلا؟
– مليار فرنك ذهبي على سبيل المثال!
وعندما تسأل الملكة: من أين ستجدون كل هذا المال؟ يجيب فؤاد باشا مبتسما:
-هل رأيتم، لقد عثرنا على المرأة، وبقي موضوع العثور على المال!
في يوم من الأيام، يدخل الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، إلى صالة للأوبرا فيرى السفير العثماني كجاجي زاده فؤاد باشا، يواصل الجلوس ولا يقف على قدميه، وعلى إثر ذلك يقول للموظف المسؤول عن شؤون البروتوكول:
«اذهبوا واسألوا لنرى. هل يظن نفسه سفيرا للسلطان سليمان القانوني؟».
فيكون رد فؤاد باشا على هذا السؤال بالنحو التالي:
«حاشا! لو كنت سفيرا للقانوني، هل كان بإمكان ملككم أن يدخل إلى مكان أوجد فيه أنا من دون إذن مني؟».
ضحك الإمبراطور بصوت عالٍ على إجابة الباشا الذكية، التي تتجلى فيها الحقائق التاريخية ثم يقول: «بكم تبيعون (جزيرة) كريت؟».
«فيحدد فؤاد باشا ثمن الجزيرة التي فتحها الأتراك بعد نضال دام 25 عاما وفقدوا من أجلها الدماء، قائلا: «بالسعر الذي اشتريناها به».
وخلال زيارة أخرى، يسأل أحدهم فؤاد باشا «ما هي أقوى دولة؟»، فيجيب: «لا شك في أنها الدولة العثمانية العلية. لأنكم تحاولون إسقاطها من الخارج ونحن من الداخل لكنها لا تسقط بأي شكل»
أسلوب النُكت مهم جدا في عالم السياسة، لأنه يتيح لكم إيصال الرسائل للجانب الآخر بطريقة ذكية للغاية. وربما هذا هو الشيء المفقود في السياسة العالمية اليوم…
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس