
محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس
حظيت تصريحات الرئيس الأمريكي الذي أكد فيها بأن الولايات المتحدة ستوكل شؤون الشرق الأوسط الى حلفائها من دول حلف الشمال الأطلسي مبررة ذلك بأنها ستتولى إيقاف المد الصيني في المنطقة والعالم .
أكثر الآراء بعد تلك التصريحات رجحت أن تقوم بريطانيا بالدور الريادي والرئيسي أضافة الى فرنسا في تلك المهمة العسيرة لتلك البلدان التي تعاني من الانقسام وتقاطع المصالح وتنوع الايدلوجيات - وبمعنى ادق أن كلمة المستحيل تنطبق تماما على ترتيب البيت الشرق الاوسطي وأن الخلافات العميقة والحادة قد فعلت فعلتها ، ومعظم تلك الدول كانت قد أغلقت الأبواب تماما لاية مصالحة أو مراجعة مواقفها أزاء بعضها البعض ، .والشيئ الذي تزامن مع هذه التصريحات وجود أستهجان شديد في المنطقة من الإدارة الامريكية لضبابية تصريحاتها وأفعالها .
الصين من ناحيتها كانت على قاب قوسين وأدنى من الدخول بقوتها الإنتاجية وغزوها الاقتصادي والتجاري لدول الشرق الأوسط أحدى أكثر الأسواق رواجا وقوة وأكثرها أستهلاكا ، أضافة الى احتياجها الهائل لمصادر الطاقة المتمركزة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية .
تلك العوامل كانت سببا كافيا لدول الشرق الأوسط من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى بان تختبر قدرتها في أزالة السياج الوهمي الذي رتبته أمريكا لأحاطة دول الشرق الأوسط في منع خروجها بنفس الفكرة لمنع دخول الروس والامريكان داخل دول الشرق الأوسط .
ومن غير المستبعد أن تكون تصريحات الرئيس الأمريكي الذي وكَل دول الناتو الأخرى في إدارة شؤو ن الشرق الأوسط أقرارا خفيا بعجزها عن إدارة هذا الملف الشائك أو أستغنائها عن مراقبتها بتيقنها من تطمينات عن عجز هذه الدول من أتخاذ قرارات سيادية استقلالية بالتحليق خارج السرب الأمريكي .
ومهما يكن من أمر فأن المنطقة تشهد فراغا استراتيجيا دوليا مما أتاح لهذه البلدان أن تبحث بنفسها عن مصلحتها باشهار هويتها الحقيقية في أتجاهات سياسة دولها التي تحمي كياناتها من دون تدخلات خارجية تلك التي لاتقيم وزنا لأستقلال الدول التي تتدخل في شؤونها ودون أي اعتبار للمصلحة الوطنية لها .
في منطقتنا بدأت عملية تجاوز الخلافات بين دولها احدى سمات العصر سواء اكانت تتجاوز تلك الخلافات بالتقادم أم بوجود حاجة ماسة لوضعها على الرفوف العالية وفتح صفحة جديدة خدمة لمصالحها وللمنطقة بشكل عام .
أهم تلك الاحداث هي نجاح المحاولات في عودة العلاقات الإيرانية السعودية الى سابق عهدها وتوجت تلك المحاولات بالوساطة الصينية في جمع ممثلي السياسة الخارجية للرياض وطهران .
أذن أستطاعت الصين أن تهيأ لها موضع قدم في المنطقة بعد أن كانت حكرا على الغرب وأمريكا عموما بعد قطفها ثمار سلسلة من الاجتماعات المباشرة وغير المباشرة بين الطرفين المتنازعين الرياض وطهران وبوساطة إقليمية بنتيجة رعايتها لتوقيع اتفاقية بين الرياض وطهران .
وربما السؤال الحاضر للأذهان في التوافق للرعاية الصينية من البلدين قد يكون اهم من الاتفاقية بحد ذاتها لعدة أسباب :
أولا :
الصين لها علاقات متباينة مع العاصمتين فمع الرياض تسود علاقاتها التجارية على العلاقات الأخرى وربما تكون هي الوحيدة أو المهمة ، بينما مع طهران هناك علاقات ثنائية منسجمة مع التوجه الصيني المنحاز بقوة ووضوح للنزاع الروسي مع الغرب في أوكرانيا .
ثانيا :
في حال تطوير العلاقات الثنائية بين السعودية والصين يفتح الباب أمام عاصمة الأخيرة على مصراعيها في الخليج ومعظم عواصم العالم العربي ، بينما علاقات بكين مع طهران مرهونة مع تحسن علاقاتها مع جيرانها في الخليج وعواصم الشرق العربي – وهنا يتوضح تماما قيام الصين بضرب عصفورين بحجر في أن واحد بقضائها على عوامل النزاع وتقديم الصديق والحليف المؤقت لها للعواصم العربية ، وغلق الباب أمام وساطات دولية أخرى تشترط ابعاد بكين عن المنطقة .
ثالثا :
تعتبر أيران الممر الرئيسي للوصول للشرق برا بالنسبة للصين كما انها تتحكم في طرق المواصلات البحرية بصورة أو باخرى مما يعني ان تهميش دورها في مصالح الصين غير ذي نفع وربما سيكون معرقلا لكل مساعيها .
وبعد فأن المنطقة عموما تعيش الربيع التفاعلي والتصالحي وهذا نابع من ادراكهم التام بأن لامناص من الاخذ بأسباب التوافق كركن من أركان الاستقرار ومنع المزيد من التدخلات الغربية والتي معظمها تكون على صيغة من صيغ الابتزاز والذي ينتج عنها فتح أسواق متتالية للسلاح .
الكثير من الدول الشرق أوسطية والعربية قد اتبعت نفس الأسلوب التوافقي والتصالحي ومنها تركيا والسعودية وتركيا والامارات وهناك بدايات لأعادة العلاقات والتطبيع مع جمهورية مصر رغم الاختلافات نفعا للمصلحة العامة بينها وبين تركيا .
ومن المؤكد ان تلك التحركات الإيجابية بين دول المنطقة نتيجتها او انها سببا في تراجع ملحوظ للدور الأمريكي في المنطقة بصورة خاصة ودوليا أيضا ، كما ان العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة لبعض الدول متى ماشاءت سابقا أصبحت ثقيلة ولاتطاق لانها غير شرعية في معظمها ، وعالميا أيضا اصبح عصرنا يشهد تغيير مسار قناعته بقوة أمريكا مثلما يشهد استهجان واضح للسياسة الامريكية في العالم وأن التخلص من احابيل سياستها يشهد نموا واسعا في الأوساط الدولية .
وفي المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط أصبحت مسألة قيادة الشرق الأوسط من داخل هذه الدول مطلبا ملحا وربما ملزما طالما توضحت كثيرا صور الفراغ الدولي السياسي والتي لن تكون دائمة بل لفترة قصيرة تعود بعدها الهيمنة الغربية وربما الشرقية للمنطقة ولتعود معها كل الاضطرابات من جديد .
وفي الختام استعين بما كتبه الدكتور ماجد التركي رئيس مركز الاعلام والدراسات العربية الروسية بتغريدة على موقعه في 17 من الشهر الحالي حيث اوجز التداعيات الحالية للأزمة الدولية ما يلي :
1- تراجع ريادة أمريكا للنظام العالمي
2- عدم المبالاة بالعقوبات الامريكية
3- انفتاح دول العالم على الاختلاف مع أمريكا والعالم الغربي
4- تشكل نظام عالمي جديد لقيادة محور الشرق
5- احداث نظام مالي وأقتصادي عالمي جديد
فهل تشهد المنطقة هدوءا نتيجة التوافقات والمصالحات بعد فترة طويلة من النزاعات والخلافات التي اتعبت البشر والشجر والحجر .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس