
د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
لـمَّا بلغ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نجاةُ القافلة، وإصرارُ زعماء مكَّة على قتال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم استشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر، وأبدى بعضُ الصَّحابة عدم ارتياحهم لمسألة المواجهة الحربيَّة مع قريشٍ؛ حيث إنَّهم لم يتوقَّعوا المواجهة، ولم يستعدُّوا لها، وحاولوا إقناع الرَّسول صلى الله عليه وسلم بوجهة نظرهم، وقد صوَّر القرآن الكريم موقفَهم، وأحوال الفئة المؤمنة عموماً، في قوله تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِل وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الآنفال5 - 8] .
وقد أجمع قادة المهاجرين، على تأييد فكرة التَّقُّدم لملاقاة العدوِّ، وكان للمقداد بن الأسود موقفٌ متميِّزٌ، فقد قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: شهدت من الْمِقْدَاد بن الأسود مشهداً، لأن أكونَ صاحِبَهُ أحبُّ إليَّ ممَّا عُدِلَ به: أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ﴾، ولكنَّا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك، وخَلْفك، فرأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أشرق وَجْهُهُ وسَرَّه؛ يعني: قوله.. (بن حميد، 1998، 1/288)
وفي روايةٍ: قال المقداد: يا رسولَ الله! إنَّا لا نقولُ لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ولكن: امضِ ونحن ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾، فكأنه سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وبعد ذلك عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أشيروا عليَّ أيها النَّاس!» وكان إنَّما يقصد الأنصار؛ لأنَّهم غالبيةُ جنده، ولأنَّ بيعة العقبة الثَّانية، لم تكن في ظاهرها ملزمةً لهم بحماية الرَّسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة، وقد أدرك الصَّحابيُّ سعدُ بن معاذ، - وهو حامل لواء الأنصار - مقصد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من ذلك ؛ فنهض قائلاً: (والله! لكأنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : «أجل»، فقال: لقد آمنا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئتَ به هو الحقُّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا، ومواثيقنا على السَّمع، والطَّاعة، فامضِ يا رسول الله! لما أردت، فنحن معك، فوالَّذي بعثك بالحقِّ! لو استعرضت بنا هذا البحر، فخُضْتَه لخُضْنَاه معك، ما تخلَّف منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غداً، إنَّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللِّقاء، ولعلَّ اللهَ يريك منا ما تَقَرُّ به عينك، فَسِرْ على بركة الله.(بن حميد، 1998، 1/288)
وسُرَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من مقالة سعد بن معاذٍ، ونشَّطه ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم : «سِيرُوا وأبشروا؛ فإنَّ الله تعالى قد وعدني إحدى الطَّائفتين، والله! لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم».
كانت كلمات سعدٍ مشجِّعةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وملهبةً لمشاعر الصَّحابة؛ فقد رفعت معنويات الصَّحابة، وشجَّعتهم على القتال، إنَّ حرص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على استشارة أصحابه في الغزوات، يدلُّ على تأكيد أهمِّية الشُّورى في الحروب بالذَّات؛ ذلك لأنَّ الحروب تقرِّر مصير الأمم، فإمَّا إلى العلياء، وإمَّا تحت الغبراء.(أبو فارس، 1982، ص37)
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، 1425ه/2004م، صص 632-634
محمد عبد القادر أبو فارس، غزوة بدر الكبرى، دار الفرقان، الطَّبعة الأولى 1402هـ 1982م.
ممجموعة مؤلفين، بإشراف صالح بن حميد، عبد الرحمن بن ملوح موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، 1418 – 1998.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس