باسل بن محمد - خاص ترك برس

اكتفت القوات العثمانية في بداية وجودها في اليمن بالسيطرة على المناطق الساحلية في جنوب البحر الأحمر دون التوغل في مناطق القبائل الزيدية، غير أن الأمر تتطور لاحقاً بالتوسع شمالاً وبسط مزيد من السيطرة على مناطق نفوذ الإمامة الزيدية المسيطرة تاريخياً على المناطق الشمالية، أثار ذلك التوسع حفيظة الإمام الزيدي شرف الدين الذي كانت قواته في ذلك الوقت تسيطر على المنطقة الجبلية الشمالية الممتدة من صعدة شمالاً إلى ذمار ورداع جنوباً، وعلى الرغم من أن معظم بقية مناطق اليمن تدين بالمذهب الشافعي السني، إلا أن البعض منهم التفوا حول راية الإمام شرف الدين لمقاومة المد العثماني الذي لم يستطيعوا التأقلم معه نظراً لاختلاف العِرق واللغة من جهة، ومن جهة أخرى كان البعض منهم يعتبر الوجود العثماني هو بمثابة استعمار يجب مقاومته، هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى نشوب مواجهات وصدامات بين بين القوات العثمانية وأنصار الإمام الزيدي شرف الدين.

بعد موت الإمام المطهر (شرف الدين) استطاع العثمانيون السيطرة على أغلب المدن التي كان يسيطر عليها حتى بلغت سيطرتهم نحو صعدة مركز الإمامة الزيدية، وبذلك قضى العثمانيون على هذه الحركة واستطاع القائد العثماني حسن باشا أن يأسر الإمام الحسن بن داود الذي استحوذ على الإمامة بعد وفاة الإمام المطهر وأمر بنفيه مع عدد من أعيان البلاد إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية عام 1586 م.

الإمام المنصور القاسم وعودة التمرد ومعركة الصافية

لم تخبوا راية الحركة الزيدية وأتباعها من فكرة التصدي للوجود العثماني، فحمل لواء هذه المواجهات بعد ذلك الإمام المنصور القاسم بن محمد وبعد مواجهات عديدة تمكن الوالي العثماني من محاصرته في شهارة وأسر ابنه محمد وعدد من أقاربه وسجنهم في حصن كوكبان، إلا أن المواجهات لم تهدأ بين الطرفين رغم سيطرة العثمانيين على زمام الأمور، استطاعت الحركة الزيدية إعادة تشكيل قوتها وتجميع صفوفها وبدء معارك الكر والفر في مواجهة القوات العثمانية، استمر القتال بين الطرفين حتى استطاعت قوات الإمام استعادة  عدة مناطق من نفوذ العثمانين مع مرور الوقت.

لم تمض فترة طويلة حتى بدأت  قوات الإمام المؤيد محمد بن القاسم بحصار صنعاء بقيادة أخيه الحسن، عند ذلك أمر القائد العثماني بفتح أبواب صنعاء والتحم الجانبان في معركة "الصافية" الشهيرة، وهي أشهر معركة حدثت بين الجانبان في فترة الوجود الأول للعثمانيين في اليمن، قتل في هذه المعركة عدد كبير من الأتراك واستسلم الباقون لقوات الإمام المؤيد التي تمكنت من السيطرة  واستعادة جميع المدن اليمنية التي كانت في قبضة العثمانيين.

اتفاقية الصلح بين العثمانيون وآل القاسم والتمهيد للجلاء من اليمن

أدرك الوالي العثماني محمد باشا مبكراً بحنكته السياسية وبصيرته النافذة أنه لا يمكن القضاء على الحركة الزيدية في المنطقة الشمالية، وكان من أبرز ما قام به هذا الوالي نظراً لشراسة وقوة أتباع الحركة الزيدية ابرام حل استراتيجي استطاع به حفظ ماء وجه الدولة العثمانية، حيث عقد صلح بين الدولة العثمانية وبين إمام الحركة الزيدية ليقّره على ما تحت يديه من البلاد اليمنية لمدة عشر سنوات مقابل اعترافه بسيادة الدولة العثمانية على اليمن، حيث قامت الدولة العثمانية بتسليم إدارة اليمن لآل القاسم الذين أداروا اليمن من أقصى شرق الشحر إلى أقصى غرب قنفذه، كما تم الاتفاق على وقف القتال وحقن الدماء، وكان من ضمن الشروط أيضاً منع تدخل الجنود العثمانيين في المناطق الشمالية التي يحكمها الإمام.

حدث هذا الجلاء جراء ضروف عديدة ساهمت فيه، كان من أبرزها المواجهات العنيفة التي واجهتها القوات العثمانية من أتباع الحركة الزيدية، كما أن سيطرة العثمانيين كانت قد ضعُفت على مصر كما هدأت أيضاً تهديدات البرتغاليين وضُعف نفوذهم على البحار الشرقية، كما قلت أهمية البحر الأحمر بسبب الإقبال على طريق رأس الرجاء الصالح، كما أن بُعد اليمن جغرافياً وصعوبة توصيل الإمدادات له تكاليف باهضة، كل تلك الأسباب مجتمعة جعلت من الدولة العثمانية تمهد لعملية الجلاء الأول عن اليمن، وبذلك تم ابرام اتفاق تمهيدي يمهد لفكرة الجلاء في عهد السلطان العثماني مراد الرابع 1623 م.

اليمن وفترة الاستقلال الذاتي الأول 1635م

بعد زوال الحكم العثماني الأول عن اليمن أواخر عام 1635 م – 1045 هـ تمتعت البلاد اليمنية باستقلالها الذاتي الأول لمدة قرنين من الزمن تحت حكم الائمة الزيديون الذين امتد نفوذهم في عهد الإمام المتوكل على الله إلى البيضاء ويافع وحضرموت ومعظم تهامة والمخلاف السليماني، ولقد ازدهرت البركات وتنافس الناس في العلم والعمل في عهد الإمام المتوكل فكان العلماء في زمانه عدداً كبيراً لم يحدث له مثيل.

لكن الأمر لم يكن كذلك في العاصمة صنعاء التي اعتورها الضعف والإنهيار نتيجة تنافس الأئمة على الإمامة، فحدثت الفوضى وبدأت دعوات الاستقلال هناك تتعالى، وعلى الرغم من جلاء العثمانيين من اليمن إلا أنهم لازالوا مستمسكين من الناحية النظرية بأنهم أصحاب الحق في البلاد اليمنية وكانوا يكررون ذلك كلما استدعى الأمر.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس