د.مصطفى حامدأوغلو - خاص ترك برس

عاشت تركيا ساعات متسارعة الأحداث باليومين الأخريين بعد تفجير أكشنار للطاولة السداسية وانسحابها منها، معترضة على ترشيح رئيس الشعب الحمهوري كليجداراوغلو لانتخابات الرئاسة القادمة، لتتهم الطاولة الخماسية بأنها لم تعد تمثل تطلعات الشعب التركي بل هي مجرد لتقاسم المصالح الشخصية، وأنها وضعت أمام خيارين أحلاهما مر ، الموت أو القبول بقشعريرة وحُمًّى الملاريا . ويبدوا انها رضيت بحمى الملاريا ولكنها قد تكون هي الموت نفسه..!!

تعرضت أكشنار لحملة شعواء شديدة اللهجة من قبل مؤيدي الحزب الجمهوري، الذي يملك شبكة قوية من التواصل الاجتماعي والاقلام السليطة اللاذعة ، فتم اتهامها بكل الاوصاف السيئة ، وتهديدها بأنها قضت على مستقبلها السياسي ، وحكمت على نفسها بالموت من خلال انسحابها من الطاولة المدعومة من كل القوى المعارضة لأردوغان الداخلية والخارجية.

أُتهمت بأنها تعمل لصالح العدالة والتنمية من خلال فرطها لعقد مسبحة الطاولة السداسية التي تعول عليها أمريكا،  وأنها قد استلمت رشوة من جهات اقتصادية تدعم الحزب الحاكم.

كشفت أكشنار من خلال تصريحاتها النارية هشاشة الطاولة السداسية، وأسقطت ورقة التوت عن كثير مما يجري وراء الكواليس من محاصصات وتقاسم للغنيمة قبل اصطيادها ناسفين كل التصريحات والتعهدات والشعارات البراقة التي يطلقونها.

لكنها وبنفس الوقت كشفت عن عجزها وتخبطها وعدم وجود الخطة البديلة لديها بعد فشلها بمحاولاتها ثني كليجدارأوغلو عن الترشح ، وعدم قدرتها على اقناع امام أوغلو او منصور يواش رغماً عن كليجداراغلو ليكونو مرشيحها المنافسين لككليجداراوغلو .

عودة أكشنار للطاولة لم يكن من المستحيلات والاحتمالات الغير واردة ، وهذا ما أشرت اليه بمقالي السابق ،رغم كل التصريحات والاتهامات والتخوينات التي أطلقتها،وهذا معروف ومتوقع لكل من خبر السياسة التركية ، ووجود أحمد داوودأوغلو على يمين كليجدارأوغلو وبابا جان على يساره اليوم أثتاء أعلانه الترشح ضد رئيسهم السابق أردوغان مثالاً حياً على تقلبات الساسة الاتراك بكل هذه السهولة والانعطافات الحادة.

عادت أكشنار أم أُعيدت ؟ ولماذا عادت ؟

ومن الرابح والخاسر من وراء كل هذه الزلزال السياسي بتركيا !؟

السناريوهات كثيرة بهذا المجال ، ونظريات المؤامرة واللقاءات والحديث عن الضغوطات كثيرة ...

لكن أهمها هو الحديث عن تعليمات قادمة من وراء المحيط ولقاء او مكالمة مع سفير دولة مهمة ومؤثرة بالشأن التركي ...

بعيدا عن هذه السناريوهات التي اتحاشى الحديث عنها نعود الى الواقع الملموس أمامنا..

أكشنار وجدت نفسها أمام طريق مسدود ، فترشحها شخصيا يعني اعادة فشلها للمرة الثانية فهي لا تنسى انها المرشحة الوحيدة التي حصلت على أصواتاً أقل من أصوات حزبها، وهذا يعتبر فشلاً  مضاعفاً  بعلم السياسة، وضيق الوقت لا يسمح لها بتشكيل الخط الثالث من فراطة الاحزاب المتناثرة التي لا تغن ولا تسمن من جوع ، ولا يسمح بأعادة تسويق وترشيح شخصية مستقلة ونحن على أبواب الانتخابات بعد شهرين .

بالمقابل ماذا فعل كليجدارأوغلو !؟

لقد كان رده  عمليا وسياسياً وأكثر عقلانية وحنكة ،حيث التقي بأحزاب سياسية يسارية شيوعية ، وبدأ يجهز المقعد الشاغر لتجلس عليه ممثلة حزب الشعوب الديمقراطية ، وبهذا أشعر أكشنار أن غيابها غير مأسوف عليه، وبدأ الكتاب يحسبون ما أخذته أكشنار من أصوات وما سيجلبه انضمام حزب الشعوب الديمقراطية الذي كانت ترفض الجلوس معه أكشنار على طاولة واحدة.

الحزب الجيد لم يكن هو الآخر على رأي واحد تجاه موقف أنسحاب أكشنار،فالبعض عارضه وأعلن استقالته والبعض شكل ضغط عليها للعودة من جديد ،كي يتمكن الحزب من المحافظة على وجوده ككيان مؤثر بالانتخابات القادمة وإلا فأنه سيخسر كل شيئ.

أمام هذا التطويق المحكم على أكشنار ونتيجة للضغوطات الكثيرة كان لابد لها من طوق نجاة وطريقة تحفظ ماء وجهها وعودة كريمة كما يقولون.

المقترح والحل: ترشيح أمام أغلو رئيس بلدية اسطنبول ومنصوريواش رئيس بلدية أنقرة نواب لرئيس الجمهورية مع صلاحيات اجرائية  لهم ..

هذه الترضية كانت هي الجزرة الوحيدة التي وجدتها اكشنار من ترغيب للعودة بجانب الكم الهائل من التهديد والوعيد والشتائم التي سمعتها...

حتى هذه الجزرة هل حصلت عليها!؟

قبل الحديث عن الجزرة لابد من الاشارة الى التنافس والتسابق على مسمى أم العروس وصاحب الفكرة والاسبقية لهذه الفكرة الرهيبة ...!!

المتنافسون كثر ، حزب الجيد يقول هو صاحب المقترح، والحزب الجمهوري يقول جاءت الفكرة من كليجداراوغلو ، ورجال وداوود اغلو يعزون الفكرة لرئيسهم ،وهناك من يقول أنها جاءت مغلفة من العم سام من أمريكا...

ماذا تعطي هذه الجزرة لأكشنار!؟

حقيقة الأمر لا شيئ بالمطلق ...

أكشنار كانت تعارض ترشيح كليجدار أوغلو و تتدعي أن شعبية هذا الثنائي هي الأوفر حظاً ،ويجب ترشيح أحدهم...

الآن ماذا حدث..!؟

قبلت بترشيح من كانت ترفضه رسميا ولو كُرها هذه المرة ، ولم يُرشح أحد من الثنائي ، وحتى الاشارة الى منصب النائب جاءت مشروطة "بالوقت المناسب الذي يراه الرئيس " وهذا يعني قد يطول  الأمر حتى انتخابات البلديات القادمه.

وقد لايرى الرئيس الوقت المناسب ابدأ بحجج كثيرة وهي جاهزة ...

والسؤال الأهم سياسياً، ماهو مكسب الحزب الجيد من كل هذا الاصرار على هذا الثنائي، حتى ولو اصبحوا نوابا للرئيس طالما أثبتوا أكثر من مرة أن انتمائهم هو لحزبهم وقائدهم...

هذا كل ما حصلت عليه اكشنار للعودة ...

بعد أن كان بالامكان أن تكون النائبة الوحيدة بصلاحيات واسعة منذ البداية بدون كل هذا الضجيج..

واليوم تساوت حتى مع روؤساء الاحزاب بمنصب نائب مثلها مثل من لا تصل اصواته حتى لنصف بالمئة ...

ناهيك عن أن الكل كان ينادي بالبداية بعدم ترشح روؤساء الاحزاب للرئاسة ..

الصور امام الكميرات كانت كافيةللتعبير عن الفخ الذي وقعت به أكشنار والذي سيكون له بالطبع انعكاسات على حزبها ومستقبلها السياسي برمته بعد كل هذه الهزات الارتدادية التي اصابتها بعد الزلزال الذي سببته بنفسها.

شخصيا وبعد قراءة المرارة بوجهها البارحة لا استبعد اعتزالها للسياسة كلها، لكن الانسان بطبعه يظل حريصا على المنصب والجاه مهما كبر سنه وتعرض لمثل هذه المواقف ...

الخلاصة أن الفائز الأول هو كليجدارأوغلو بكل جدارة...

حصل على ترشيح الطاولة السداسية وأجبر اكشنار على التوقيع على ذلك رسمياً

وازاح امام اوغلو ومنصور من أمامه...

وجعلهم تحت رحمته بعد أن أحكم سيطرته على حزبه وأصبح الرجل الوحيد صاحب الحق بكل القرارات القادمة...

حتى الفشل لن يحرمه من الاستمرار بقيادة الحزب الذي كان يخشاه ، لأن الفشل بهذه المرة سيعتبر فشل للثلاثي كله وليس له وحده...

الاحزاب الاخرى هي ايضا من الفائزين ..

منصب نائب رئيس مع وزارة على الأقل رغم ان اصواتهم لم تصل نصف بالمئة ولم يثبتوا جدارتهم بعد بأي انتخاب ...حلم أكثر من الخيال...

الخاسر الأكبر  هو الحزب الجيد بدون اي تردد والخاسر الأكثر من ذلك أكشنار وعلى كل المستويات كما أوضحنا..

العدالة والتنمية أين هو من كل ماحصل ...

هذا يحتاج بمقال مفصل لكن أقول باختصار

أولاً :لم يتغير شيئ بالنسبة للعدالة والتنمية ،فقد كان متوقعا ترشح كليجدارأوغلو، وكانت المعارضة تتهم العدالة بأنه يرجح ويتمنى ترشح كليجدارأوغلو ، وهاهو قد ترشح

فلا جديد بذلك ...

الجديد أمران

احدهما ايجابي والثاني سلبي بالنسبة للعدالة والتنمية

الايجابي أن هذه الطاولة قد تصدعت وهذه الجرة قد انكسرت وانكشفت كثير من خفاياها ...وأصحابها هم من قاموا بثلمها وضعضعتها... فلم تعد متماسكة كما كان يدعي اصحابها...

أما السلبي فهو التخندق العميق الذي حشد كل اعداء ومنافسي أردوغان ومعارضية بخانة واحدة ...

نقطة أخيرة

المثل يقول ضرب عصفورين بحجر واحد

اليوم افرزت الطاولة ثلاثة مرشحين معا سيتصدرون الحملة الانتخابية هم كليجدارأوغلو وامام اغلو ومنصور يواش وفشل المعارضة سيعتبر فشل للثلاثة معا

فهل يستطيع أردوعان هذه المرة أن يحدث تغييراً بالمثل ليصبح

ثلاثة عصافير بحجر واحد ..!!؟

فرصة وتحدي بآن واحد...

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس