ترك برس

تناول تقرير لشبكة الجزيرة القطرية تأثير الوضع الاقتصادي في تركيا على الانتخابات المحلية التي ستجري في 31 مارس/ آذار القادم.

وأشارت التقرير إلى أن الصعوبات الاقتصادية مثل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الليرة تلقي بظلالها الثقيلة على معيشة المواطنين الأتراك.

وذكر أن الحكومة التركية أقدمت على إرساء إستراتيجية اقتصادية جديدة العام الماضي، تهدف إلى استعادة الاستقرار وتحفيز النمو، عُرفت باسم البرنامج الاقتصادي المتوسط المدى للأعوام 2024-2026، الذي أعلن عنه الرئيس رجب طيب أردوغان محددا معالم السياسة الاقتصادية المستقبلية للبلاد.

ويتوقع البرنامج نمو الاقتصاد بنسبة 4% خلال العام الجاري، مع تقليص معدل التضخم إلى 33% بحلول نهاية العام، كما يتنبأ بأن نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي ستصل إلى 6.4%، وأن معدل البطالة سيثبت عند حدود 10.3%.

كما يضع البرنامج هدفا طموحا للصادرات بقيمة 267 مليار دولار، وللواردات بقيمة 372.8 مليار دولار بنهاية 2024، مؤشرا إلى سعي الحكومة لتعزيز التجارة الخارجية، وتحسين ميزان المدفوعات.

وفي خضم الحملات الانتخابية، تبرز الأحزاب الرئيسة في تركيا بتقديم مشروعاتها الاقتصادية الرامية إلى تلبية الاحتياجات الملحة للمواطنين، خاصة في المدن الكبرى؛ مثل: إسطنبول، وأنقرة، وإزمير. وفق الجزيرة.

وكشف مراد كوروم، مرشح تحالف الشعب في إسطنبول، عن رؤيته الاقتصادية التي تهدف إلى معالجة المعضلات الرئيسة التي تواجه السكان؛ مثل: الارتفاع الحاد في تكاليف الإيجارات والمواصلات، بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها الشباب في الزواج. كما أعلن دعما ماليا للمستفيدين من مشروع التحول الحضري المزمع تنفيذه في المدينة، بجانب وعود ببناء أكثر من 650 ألف شقة مقاومة للزلازل.

في المقابل، تبنّى أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض والرئيس الحالي لبلدية إسطنبول، نهجا يركز على تعزيز البنية الاجتماعية والترفيهية للمدينة، من خلال إنشاء مرافق عامة توفر خدمات تعليمية وترفيهية وعائلية بأسعار معقولة لجميع سكان إسطنبول، بجانب مواصلته توجيه الانتقادات للحكومة التركية، محملا إياها مسؤولية ارتفاع الأسعار وتفاقم الغلاء الذي يثقل كاهل المواطنين.

ووفقا لأحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة توسيار بشأن ترجيحات الناخبين لرئيس بلدية إسطنبول القادم، تقدم مراد كوروم بنسبة 41.7%، في حين حلّ إمام أوغلو، رئيس البلدية الحالي، في المرتبة الثانية بنسبة 40.2%.

وتقع الإدارة الحالية لتركيا في مرمى نيران النقد بسبب تدابيرها الاقتصادية الجديدة، التي يراها بعض المحللين محاولة لكسب إنجاز جديد، من خلال تخفيف الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المواطنون عشية الانتخابات المحلية، في خطوات تندرج تحت ما يُعرف بـ "الاقتصاد الانتخابي"؛ مثل: رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 49% في الشهر الأخير من العام الماضي.

وأعلن البنك المركزي التركي تثبيت سعر الفائدة الرئيس دون تغيير عند 45% الخميس الماضي للمرة الأولى منذ مايو/أيار 2023، وهو ما يتوافق مع التوقعات بعد رفع سعر الفائدة شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وأضاف أنه قد يتخذ إجراءات أكثر صرامة حول ما يخص السياسة النقدية، في حال بدا أن هناك خطرا واضحا ومستمرا يهدد استقرار توقعات التضخم.

وبلغ التضخم على أساس سنوي ما يقرب من 65% مطلع شهر فبراير/شباط الجاري، وفقا لأرقام البنك المركزي التركي، بينما حافظ البنك على تقديراته لمعدل التضخم في نهاية 2024 عند 36%، وفقا لأول تقرير صادر عنه هذا العام، مع توقعات بأن يتراجع التضخم إلى 14% بحلول نهاية 2025، وإلى 9% بنهاية 2026.

ومن جانبه أعرب وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك عن توقعاته بملاحظة تراجع ملموس في معدلات التضخم السنوي، بدءا من النصف الثاني من العام الجاري، مشيرا إلى أنه "لا يرى أن العوامل الطارئة التي أثّرت في معدل التضخم في يناير/كانون الثاني الماضي ستكون لها تأثيرات طويلة الأمد في الاتجاه العام للتضخم".

الباحث الاقتصادي في مركز ستا للأبحاث دينيز استقبال، قدّم توقعات متحفظة تشير إلى أن التضخم قد ينخفض إلى حدود 50% خلال منتصف العام الحالي، ليواصل مساره النزولي نحو 30% بنهاية العام، ويُتوقع أن يصل إلى 15% بحلول نهاية 2025. كما شدد على أهمية الإقرار بالتحديات التي قد تواجه هذه العملية، خاصة في ظل تجربة تركيا التي من المتوقع أن تخوض ما يُعرف بـ "التضخم العكسي" (الذي يعني أن أسعار السلع والخدمات تنخفض باستمرار، ومعدلات الأسعار تكون في انخفاض مستمر).

ونبّه إلى أن الزيادة في أسعار الفائدة وإجراءات التشديد النقدي تتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض في الإنتاجية، وهو ما قد يجبر الشركات على إجراء تخفيضات في العمالة وخفض الإنتاج، مما يؤدي إلى انكماش في الاستهلاك العام وندرة في الموارد المالية، مسببا بذلك خسائر للشركات.

وفي حديثه مع الجزيرة نت، أشار الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان إلى أن الانتخابات المحلية تمثل فرصة مهمة للمواطنين لإظهار مدى استيائهم من الأوضاع الحالية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجههم، موضحا أن تراجع الوضع المعيشي، المتمثل بشكل خاص في ارتفاع تكاليف الحياة الأساسية؛ مثل: الإيجارات، يضع ضغوطا كبيرة على ميزانيات الأسر، لا سيما في المدن الكبرى؛ مثل: إسطنبول وأنقرة، وأضاف أن هذه الضغوط قد تؤدي إلى نتائج انتخابية بارزة، كما حدث في الانتخابات الماضية حيث خسرت الحكومة السيطرة على هذه البلديات في ظل أزمة اقتصادية حادة.

وأشار الباحث إلى أن الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد، التي تميزت بانكماش الاقتصاد بمعدل 2.4% في الفترة ما بين الربع الأخير من 2018 والربع الثاني من 2019، كانت محورية في تشكيل مواقف الناخبين خلال تلك الفترة.

وأشار إلى أن الفارق الضئيل في الأصوات بين مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو والرئيس أردوغان في كل من إسطنبول وأنقرة، يعكس استمرار العوامل الاقتصادية في لعب دور حاسم في توجهات الناخبين في المدن الكبرى.

كما أكد أن تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم في المدن الكبرى يضعان المزيد من الضغوط على السكان، مما يجعل القضايا الاقتصادية، بما في ذلك التضخم وأزمة الإسكان ومشكلات الإيجارات، على رأس أولويات الناخبين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!