
ترك برس – مدار اليوم
مشتركات عديدة تجمع كل من أمريكا وتركيا، أبرزها وجود الإثنين ضمن حلف الأطلسي، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية والسياسية الواسعة مع النظام الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط. إلا أن خلافات تركيا مع الأكراد بدأت تنغص صفو هذه العلاقات، خاصة وأن أمريكا وضعت جل ثقتها بقوات PYD، بعد جهد كبير في البحث عن قوة سورية تقبل محاربة "داعش"، بعيداً عن قتال الأسد.
يكشف تقرير أعدته صحيفة "نيويورك تايمز"، عن أن أكبر عقبة تواجه أمريكا في حربها ضد "داعش"، هي "إيجاد رجال يريدون قتال التنظيم، فكلهم يريدون قتال الأسد"، حسب تصريحات مسؤول أمريكي كبير.
ويؤكد المسؤول حسب تصريحات الصحيفة، أن حرص الأمريكيين على دعمهم لقوات PYD ينبع من قوة الانتصارات التي حققتها في الآونة الأخيرة، والتزامها بقتال التنظيم، ودحره من عدة مناطق آخرها "تل أبيض" الحدودية.
أزعج هذا الدعم الجانب التركي، الذي يرتبط بعلاقة متوترة مع PYD، حيث يعتبره جزءًا من حزب العمال الكردستاني، المصنف على قائمة الإرهاب لديه، كما أنه يخشى من قيام كيان كردي في سوريا على الحدود مع تركيا، مما قد يهدد أمنه القومي، حسب تعبير عدد كبير من السياسيين الأتراك.
وبعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده لن تسمح أبدا بإنشاء دولة كردية، شمال سوريا على حدودها الجنوبية، وإن كفاحهم سيستمر في هذا السبيل "مهما كانت التكلفة". والذي اعتبر أن ما يجري اليوم في سوريا والعراق، محاولة لإعادة إنتاج نظام سايكس بيكو جديد في المنطقة. وتهدف إلى شحن الرأي العام الداخلي ضد بلاده".
اعتبر العديد من المراقبين، أن هذه التصريحات موجهة إلى أمريكا، التي تقود التحالف الدولي ضد "داعش"، والذي يدعم قوات PYD، خاصة بعد الضجة الواسعة الذي دارت حول إن الجيش التركي، يعمل بشكل متسارع، على وضع مخططات لإقامة منطقة عازلة على طول 110 كم وعمق 35 كم داخل الأراضي السورية، وذلك بهدف إبعاد الخطر المتزايد لتنظيم "داعش" على تركيا، ومنع إقامة كيان كردي على حدود البلاد.
غير أن تصريحات الخارجية الأمريكية، كانت أقل حدة. حيث أكدت إن الولايات المتحدة، ليست لديها "أدلة قوية"، على أن الأردن وتركيا، يبحثان إقامة منطقة عازلة فى سوريا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر، إن هناك "تحديات لوجستية خطيرة" تتعلق باقامة مناطق كهذه، لكنه لم ير أي أدلة دامغة على أن الأردن أو تركيا اللتين لهما حدود مشتركة مع سوريا، يبحثان إقامة مثل هذه المنطقة.
يأتي تعميم فكرة المناطق العازلة على كل من الأردن وتركيا، في إطار تعويم المشكلة، وعدم تحديدها بتوترات العلاقة الأمريكية - التركية، على الرغم من الأردن لم تطرح مطلقاً فكرة الدخول البري إلى سوريا، بل على العكس كانت تدفع الجيش السوري الحر باستمرار قتال التنظيم بالقرب من حدودها، حسب ما أكد قائد في الجبهة الجنوبية لـ"مدار اليوم".
لم تتأخر كثيراً الردود التركية التي التفت على فكرة التدخل، حيث أوضح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ، أن بلاده "ليست بصدد الدخول في حرب من لا شيء، وليست لها مطامع في أراضي دولة أخرى، ولكن سنتخذ التدابير اللازمة حيال التهديدات، التي تطال حدودنا".
وأفاد الناطق باسم رئاسة التركية إبراهيم كالين، بأن تداول عمليات اتخاذ التدابير في المناطق الحدودية بعنوان "تركيا تخوض حرباً" تحليل غير صحّي أبداً، وأن ضمان حماية الحدود هي الواجب الرئيسي لأي دولة في العالم، مؤكداً أن التدابير التي ستتخذ في المنطقة الحدودية، تأتي كلها في إطار توفير أمن الحدود والمواطنين.
لم يضع المراقبون السياسيون التصريحات التركية في إطار التراجع عن المواقف، بل في سياق تحديد مجالات التحرك المسموح بها بالنسبة للسياسة التركية، والتنبيه على الخطوط الحمر، وعلى أن تركيا جاهزة للتحرك بأي لحظة من أجل الحفاظ على مصالحها وسلمها الأهلي.
وأكد هذا التوجه جاويش أوغلو، بقوله "لدينا تفويض من البرلمان، كما توغلنا سابقا في شمال العراق، ونفذنا عمليات عسكرية ضد تنظيم (PKK) في جبال قنديل، سنقوم بعملية هنا أيضاً، إذا اقتضت الضرورة في إشارة إلى سوريا". مؤكداً أن تركيا دولة، تحيط بها حلقة من نار، ومن الطبيعي أن تتخذ التدابير اللازمة، وتتوقع مسبقا المخاطر التي ستظهر، وتجري التحليلات والتقييمات، وتتخذ القرارت على ضوء ما ينبغي فعله"، مشيراً أنه لاداعي لجر مسألة رفع التدابير الأمنية إلى مجريات أخرى.
من الطبيعي، أن تقف الأمور عند هذا الحد، إذا قارنا أهمية العلاقات الأمريكية مع PYD مقارنة مع أهمية العلاقات الأمريكية – التركية، وإذا ما عرفنا أن PYD لا تتمتع بعلاقات جيدة مع محيطها الكردي في كل من أربيل، وإيران، بالإضافة إلى حزب HDP الكردي في تركيا، مما يقلل من أهميتها في الوسط الكردي الذي يعتبر لاعب مهم في المنطقة، إذا نظر له ككتلة متماسكة.
وفي طبيعة الحال، لا يمكن أن تجاهل احتمالات التحرك التركي في سوريا، بمعزل عن الحد من التمدد الإيراني في المنطقة، خاصة وأنه كان من المتوقع، أن تأخذ تركيا الجانب السوري من "عاصفة الحزم" التي أطلقتها السعودية مع تحالف عربي واسع في اليمن، لولا أن الإنتخابات التركية، والمشكلات الداخلية أجلت هذا التدخل.
ومن هنا نجد مبرراً أكبر لرفض الولايات المتحدة لهذا التدخل، في الوقت الذي تأخذ مفاوضات النووي شكلها الأخير، الأمر الذي يضاعف قلق كل من تركيا والسعودية ودول الإقليم بشكل عام.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!