
ترك برس
تناول تقرير بصحيفة يني شفق، للكاتب والمحلل التركي سلجوق تورك يلماز، الدعم الغربي، وخصوصًا الألماني، للإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين بعد السابع من أكتوبر 2023، مفككًا الرواية الشائعة التي تفسر هذا الدعم بعقدة الذنب التاريخية تجاه الهولوكوست.
ويؤكد الكاتب أن الموقف الألماني لا يقوم على الإكراه أو التكفير عن الماضي، بل يعكس مشروعًا استعماريًا متجددًا يرتبط بما يسميه جوفالين ماكاي "الاستثنائية الألمانية".
ويُظهر أن برلين لا تكتفي بالمشاركة في الجرائم، بل تتعمد جعل دعمها مرئيًا للعالم باعتباره جزءًا من إعادة تأكيد تفوقها القومي، في انسجام مع الاستثنائية الأوروبية والأمريكية التي تمنح الغرب حق تقرير مصير الشعوب وحتى تعريف "اليهودي الصالح" و"اليهودي السيء".
وفيما يلي نص التقرير:
إن إقدام إسرائيل على ارتكاب إبادة جماعية جديدة على الأراضي الفلسطينية التاريخية، بعد السابع من أكتوبر 2023، كان نتيجة مباشرة لسياستها التوسعية الاستعمارية. كثير من الناس لم يتمكنوا من فهم الهجوم المضاد الذي شنته كتائب القسام ضمن سياقه الصحيح، بسبب عدم تركيزهم على نضال الفلسطينيين من أجل الاستقلال. بل إن البعض وصل به الأمر إلى اتهام حماس بأنها السبب في العدوان التوسعي الإسرائيلي. وذلك لأنهم لم يكونوا قادرين على رؤية الفلسطينيين كجهة فاعلة. فبالنسبة لهم، حماس هي من "أثارت الغضب الإسرائيلي"، بينما الفاعل الوحيد هو إسرائيل.
إذا ما أخضعنا تصورنا لإسرائيل في أذهاننا لتمحيص جاد، يمكننا أن ندرك أن الموقف الذي يرى الفلسطينيين مجرد طرف سلبي، نابع من نظرة أعمق وأشمل. فبحسب هذه النظرة، تحتل إسرائيل واليهود مواقع مهيمنة في أوروبا وفي معظم أنحاء العالم. وترضخ الدول الأوروبية، على وجه الخصوص، للقوة اليهودية. وتتحرك إسرائيل بفضل هذه القوة التي تمنحها القدرة على المناورة. وتقدم الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا التي تخضع للسلطة اليهودية، الدعم لإسرائيل حتى وإن كان على مضض. وإذا ما ذهبنا أبعد من ذلك، سيجادل البعض بأن الأوروبيين مجبرون على تقديم الدعم لإسرائيل. هذه الأفكار تعكس طريقة معينة في التفكير، لكن من يتبنونها فقدوا صلتهم بالواقع. وبما أنهم ينطلقون من فكرة ثابتة، فإنهم قد تبنوا وجهة نظر "رومانسية" إذا جاز التعبير. وهذه الرومانسية الجديدة تقوم على فكرة معاداة الأوروبيين لليهود. ولأن الألمان كانوا يكرهون اليهود، تحرك هتلر والنازيون بمبادئ معادية للسامية ضدهم، مخلفين وراءهم إرثًا من العار والمساءلة عن الهولوكوست. وحتى اليوم، لا يزال الألمان والأوروبيون يدفعون ثمن ذلك. وفي إطار هذه الرؤية الجديدة، يُنظر إلى اليهود اليوم باعتبارهم القوة المهيمنة.
بعد السابع من أكتوبر 2023، حاولت أن أوضح أن هذه الأفكار خاطئة من أساسها. فدعم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا لإسرائيل ومشاركتها المباشرة في جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، لا يمكن تفسيره بعقدة ذنب "الهولوكوست" أو أو كنوع من التكفير عن الماضي. فالألمان لم يدعموا إسرائيل على مضض أو تحت الإكراه، وكذلك فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. فهذا الدعم هو مثال على التوسع الاستعماري، وإسرائيل كانت منذ البداية مشروعًا أنجلوسكسونيًا. ولم يكن الأمر حربًا بين الأديان، رغم الإصرار على تصويره كذلك. إذ ركز قادة إسرائيل الصهاينة والأمريكيون على فكرة الحرب الدينية لأغراض خاصة، الأمر الذي يثير الحاجة إلى التساؤل عن الغاية من الإصرار على مفهوم "الحرب الدينية"، ولكن حاليًا، يكفي أن نذكر أن هذا المفهوم يطمس الحقيقة.
في المقابل، يُسلّط مقال جوفالين ماكاي، "حماس ألمانيا للإبادة الجماعية الإسرائيلية يُحيي استثنائيتها الخطيرة"، المنشور في موقع "ميدل إيست آي"، الضوء على وضعٍ أكثر إثارة للدهشة. ووفقًا لماكاي فإن ألمانيا لا تحاول إخفاء الحقيقة، بل تتعمد إظهار مشاركتها في الإبادة الجماعية الفلسطينية أمام العالم كله. إنها لا تسعى لطمس الحقيقة، بل إلى الكشف عنها.
وقد ذكرت سابقًا ضرورة التوسع في تحليل مقال ماكاي. فهو يرى أن ألمانيا تدعم كدولة خطط الإبادة التي تنفذها إسرائيل بهدف إعادة تأكيد تفوقها القومي. ويعدّ فهم العلاقة بين إعادة تأكيد التفوق الوطني الألماني ودعم خطة الإبادة الإسرائيلية أمرًا بالغ الأهمية. لكن أكثر ما يثير القلق في تقييم ماكاي هو أن ألمانيا تعلن صراحة دعمها غير المحدود لحرب الإبادة الإسرائيلية والمجازر، وتسعى لجعل هذا الدعم مرئيًا للعالم كله، في محاولة لإحياء ما يسمى بـ "الاستثنائية الألمانية".
ولمناقشة الأفكار الواردة في المقال، يجب توضيح معنى بعض المفاهيم كالاستثنائية الألمانية ووضعها في سياقها. ويمكن النظر إلى الاستثنائية الألمانية جنبًا إلى جنب مع الاستثنائية الأوروبية والأمريكية. ويشير ماكاي إلى أن مفهوم الاستثنائية يمنح الألمان الحق في تحديد من هو “اليهودي الصالح” و”اليهودي السيء”. ووفقًا له، فإن إدراج الاحتجاجات التي يقوم بها اليهود الألمان ضد إسرائيل الصهيونية ضمن فئة معاداة السامية ينبع من احتكار الألمان حق تقرير مصير اليهود. وبذلك، فإن ألمانيا تشجع إسرائيل الصهيونية على الإبادة عمدًا، وتعمل حتى على منع النقاش حول هذه الإبادة والاعتراف بها كجريمة، ما يجعل الاستثنائية الألمانية تتجلى بشكل أقوى وأوضح.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!