ترك برس

سلطت الكاتبة والأكاديمية السورية المقيمة في ألمانيا، براءة زيدان، الضوء على مسيرتها الدراسية التي بدأت في تركيا كلاجئة وتتواصل حاليا في ألمانيا.

وقالت زيدان في مقال على موقع "الجزيرة نت" إنها لم تتخيل يوما "أن رحلتي ستقودني إلى ألمانيا. بدأت من دمشق مرورا بتركيا؛ بحثا عن العمل والدراسة، لكن الطريق كان مليئا بالمخاطر التي لم أتوقعها. هذه التدوينة تحكي تجربتي الشخصية والأكاديمية، عن الصعوبات التي واجهتها، وعن الإصرار على الاستمرار رغم كل شيء.

وأضاف أن البداية كانت في جامعة غازي عنتاب التركية، عندما حظيت بفرصة تدريس طلاب سوريين مع الإقامة في سكن الأساتذة، بفضل الأستاذ الدكتور سليمان قوجار.

وأضافت: كانت تلك لحظة فرح كبرى، إذ شعرت بأن حلمي الأكاديمي يقترب من التحقق.

وفيما يلي تتمة المقال:

في تلك الفترة، قررت خالتي السفر إلى ألمانيا للعيش مع أولادها، ونصحتني ابنة عمي، الحاصلة على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، أن أرافقها. وهكذا بدأت رحلة غيرت حياتي بالكامل، وفتحت أمامي أبواب تجارب لم أكن أحلم بها يوما.

الرحلة البحرية والمخاطر

انطلقنا من إزمير عبر البحر، لكن الأمواج العاتية حاصرتنا لأكثر من سبع ساعات. كان البرد قارسا والمياه تغمر القارب الصغير، ولولا تدخل خفر السواحل اليوناني لكانت النهاية مأساوية. بعد إنقاذنا، قضينا أياما في الغابة نكافح الجوع والبرد للبقاء على قيد الحياة.

كانت كل لحظة اختبارا لإرادتنا وصبرنا. ثم واصلنا الطريق عبر اليونان ودول البلقان، نواجه الثلوج ونعبر مسافات طويلة سيرا على الأقدام، حتى وصلنا إلى ألمانيا أخيرا.

تجربة المخيمات والمعاملة الصعبة

عند وصولنا، سلمنا أنفسنا للشرطة، ثم نُقلت إلى المستشفى قبل أن يُعاد إدخالي إلى المخيم.

قضيت عاما كاملا في مخيم "Tehelschweiler" بالقرب من مدينة "Trier"، وسط معاملة قاسية من موظفي "السوسيال"، رغم حملي شهادة دكتوراه. اضطررت للاستدانة من خالتي مرارا لتغطية حاجاتي الأساسية، وكان كل يوم تحديا جديدا للحفاظ على الكرامة والأمل.

لاحقا، انتقلت إلى "Pirmasens"، حيث تعرفت على المتطوعة مارغريت، التي دعمتني في تعلم اللغة الألمانية، وشاركتني حياتها اليومية وأعياد ميلادها. كانت مصدر أمل وسط الظروف القاسية، وأثبتت لي أن الدعم الإنساني قادر على التخفيف من أثقال الحياة حتى في أصعب الأوقات.

التطوير المهني والأكاديمي

بدأت بتعلم اللغة الألمانية حتى وصلت إلى مستوى "C1 Hochschule"، وشاركت في برنامج "Weiterbildung" ضمن منحة "DAAD" للأكاديميين اللاجئين. خلال هذه الفترة، كتبت بحثا باللغة الألمانية نُشر في مجلة جامعة "Trier"، وكنت فخورة بتحقيق هذا الإنجاز رغم كل الصعاب.

واصلت نشاطي الفكري والأدبي، ونشرت مقالات وأبحاثا حول الثورات العربية، كما أصبحت عضوا في مؤسسات بحثية ألمانية ورابطة أدباء الشام.

صدر كتابي الأول عن السياسة الروسية في بلاد الشام ومصر، وينتظر صدور الثاني قريبا، مما أكسبني خبرة أكبر وأعطاني دافعا للاستمرار في الكتابة والنشر.

الحوادث والصعوبات الجسدية

قبل ثلاث سنوات، تعرضت لحادث حافلة أدى إلى إصابات في الظهر والكتف، وما زلت أعاني من آلامه حتى اليوم. ورغم ذلك، لم أسمح لهذه المصاعب بأن توقف مساري الأكاديمي، بل زادتني تصميما على المضي قدما وتحقيق أهدافي.

البحث عن فرص أكاديمية في ألمانيا

انتقلت إلى منطقة Ruhr بحثا عن فرص أكاديمية في جامعة دويسبورغ-إيسن. تواصلت مع عدد من الأساتذة، ورغم رفض بعضهم أو تجاهلهم، تمت معادلة شهاداتي بدرجة "Doktortitel" "Sehr gut"، مما منحني دافعا أكبر للاستمرار.

لاحقا، انتقلت إلى مدينة آلتنا (Altena)، حيث حصلت على "Umschulung" في المجال التربوي، وعملت كمدرِسة للغة الألمانية كلغة ثانية للأجانب في "Burggymnasium Altena". توقف عقدي لاحقا لأسباب سياسية، لكنني اليوم أتهيأ لكتابة مشروع "Postdoc" في "GIGA Institut" لعام 2026، مستعدة لخوض تحدٍ جديد يجمع بين شغفي بالبحث الأكاديمي واهتمامي بالشؤون الدولية.

الأمل والعلم

رحلتي من دمشق إلى آلتنا مليئة بالصعوبات الجسدية والنفسية، لكنها أيضا زاخرة بالإنجازات الأكاديمية والنشاط الفكري. تعلمت من كل تجربة درسا جديدا، وأصبحت أكثر قوة وتصميما على مواصلة مساري الأكاديمي وحياتي الشخصية باستقلالية وشجاعة.

قصتي ليست مجرد رحلة لجوء، بل دليلا على أن الأمل والعلم قادران على فتح أبواب جديدة مهما كانت الطرق وعرة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!