
د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
ضرب القرآن الكريم مثلاً للتخطيط السليم الذي قام على أسس منطقية، فأمكن بذلك تلاقي مجاعة كانت تهدد الناس في مصر ومن حولها بسبب التخطيط السليم الذي قام به يوسف u وهو أمين على الخزائن وذلك حين فسر الرؤيا التي جاءت على لسان ملك مصر -كما مر معنا-. إن يوسف u فسر الرؤيا وزاد عليها بأن قدم خطة عمل تستغرق القطر كله والشعب المصري كله، أي أن خطته اعتمدت على التشغيل الكامل للأمة والبرمجة الكاملة للوقت، ثم التشغيل الكامل لطاقة كل فرد في الأمة وهذا الذي أراده يوسف u وعبر عنه بقوله ﴿تزرعون﴾، إن الذي يخطط له يوسف u هو مضاعفة الإنتاج وتقليل الاستهلاك، لأن الأزمات والظروف الاستثنائية تحتاج إلى سلوك استثنائي ولأن سلوك الناس في الأزمات غير سلوكهم في الظروف العادية – استرخاء وبطالة - فإن هذه الأمة تكون في حالة خلل خطير يحتاج إلى علاج ومعالج خبير (سورة يوسف دراسة تحليلية، د. أحمد نوفل، ص409).
إنّ يوسف u قسم خطته إلى ثلاث مراحل:
- ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ [يوسف: 47].
- ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ﴾[يوسف: 48].
- ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: 49].
وتظهر ملامح هذه الخطة في الآتي:
1- الطابع الغالب على المرحلة الأولى وهو الإنتاج والادخار مع استهلاك محدود، فيوسف u حدد خطط الإنتاج بالزراعة، وحدد استمرار الإنتاج الزراعي سبع سنين العمل فيها دائب لا ينقطع ومع هذا الجهد الكبير في الإنتاج المستمر كان هناك تحديد واضح للاستهلاك، يبدو في قوله: ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُون﴾ [يوسف: 47]، وأمر يوسف بحفظ السنابل المخزونة من الغلال كاملة كما هي:﴿ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ ﴾[يوسف: 47].
2- فإذا ما انتهت سنوات الإنتاج السبع، بما فيها من جهد متصل دائب، واستهلاك محدود كان على الخطة أن تقابل تحدياً ضخماً هو توفير الأقوات سبع سنين عجاف، وبعبارة أخرى: بعد الإنتاج والجهد الدائب في المرحلة الأولى سيأتي تحمل أيضاً في المرحلة الثانية وهو تحمل يحتاج إلى تنظيم دقيق يصل فيه الطعام إلى كل فم.
3- ومع هذا التحمل والتنظيم الدقيق، ينبغي ألا تأتي هذه السنوات العجاف على كل المدخرات وإنما كان يوسف واضحاً في قوله: ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾ [يوسف: 48]، فكان هذ الجزء المدخر هو (الخميرة) التي تستطيع بها الأمة أن تقابل متطلبات البذر الجديد بعد السنوات العجاف، أي إعادة استثمار المدخرات، ومن طبيعة التطور أن تختلف: (تفاصيل الصورة)، ولكن أساسها سيظل قائماً عميقاً في دينا وتراثنا (مواقف إسلامية، د. عبد العزيز كامل، ص83-86)، وتظهر معالم التخطيط والإدارة في كلمات يوسف u حيث إن التخطيط يعتبر وظيفة أساسية من وظائف الإدارة التي لا يمكن لها أن تكون فعالة بدونها، كما أن التخطيط في حقيقته يعتمد على داعمتين وخمسة عناصر، أما الدعامتان، فهما التنبؤ والأهداف وأما العناصر فهي السياسات، والوسائل، والأدوات، والموارد البشرية والمادية، والإجراءات والبرامج الزمنية، والموازنة التقديرية التخطيطية. إن كتب علم الإدارة والتخطيط الحديث تقول: أنه لا إدارة فعالة إلا بتنظيم ووفق تخطيط سليم مسبق، وهذا عين الذي زاوله يوسف u لقد جاء إلى الحكم يوم جاء وبرنامجه الإصلاحي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والإعلامي والزراعي، كل ذلك في ذهنه قد أعد إعداداً دقيقاً. (فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، ص279)
المراجع:
1. مواقف إسلامية، د. عبد العزيز كامل، دار المعارف الطبعة الأولى، 1998م، ص83-86.
2. سورة يوسف دراسة تحليلية، د. أحمد نوفل، ص 409.
3. فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، علي محمد الصلابي، ص 279.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس












