ترك برس

انشغل الرأي العام العثماني بشكل كبير ما بين عامي 1919 و1921 لورود أنباء عن قيام القوات البريطانية بإيقاع أشد أنواع العذاب على الجنود العثمانيين الذين كانوا يحاربون في فلسطين قبل الوقوع في الأسر.

وكنظرة تاريخية سريعة حول احتلال مصر وفلسطين يُذكر بأن الألباني محمد علي باشا، أحد ضباط الجيش العثماني الذي قدموا إلى مصر عام 1801 لصد الحملات الفرنسية، استطاع بعد صد الحملات الفرنسية السيطرة على مصر عام 1905 وبعد عام 1933 استطاع تمديد دولته إلى حدود الشام، وبعد عام 1931 أصبحت مصر مستقلة إداريًا وسياسيًا عن الدولة العثمانية.

وبعد حكم عائلة محمد علي باشا لمصر لفترة تجاوزة الخمسين سنة استطاعت إنجلترا احتلال  مصر عام 1882 في عهد الملك توفيق باشا. بعد احتلال بريطانيا لمصر صوبت أعينها صوب فلسطين لما تمتع به من أهمية دينية وجغرافية مميزة حيث تربط القارة الأسيوية بالأفريقية بالإضافة لإطلالها على البحر الأبيض المتوسط ووجود عدد كبير من الموانئ الكبيرة والضخمة التي خططت بريطانيا لاستخدامها في تصدير النفط من الحقول العراقية إلى أوروبا، خططت بريطانيا جليًا لاحتلال فلسطين وفي عام 1916 بدأت بالتحرك نحو فلسطين فاشتبكت مع الجنود العثمانيين في مدينة غزة كأول نقطة حربية لقربها لمصر واستطاعت السيطرة عليها ومن ثم انتقلت لمدينة بئر السبع ومن ثم يافا واستمرت الحرب إلى أن تمكن الجنرال البريطاني اللنمبي السيطرة على مدينة القدس عام 1917، وبعد وضع الحرب أوزارها قامت القوات البريطانية بنقل الأسرى العثمانيين من فلسطين إلى مصر.

وتنقل الوثائق والجرائد العثمانية الصادرة في ذلك العهد مثل علمدار وعين الوطن بأن "الاحتلال البريطاني قام بنقل جميع الأسرى العثمانيين الذين كانوا عبارة عن جنود يحاربون عن فلسطين إلى مخيمات أسر غير ملائمة للمعايير الإنسانية في مصر، وتنقل الوثائق بأن الأسرى الذي كان يفوق عددهم الخمسة عشر ألف تعرضوا جميعا ً لعملية إعاقة متعمدة من قبل الأطباء الإنجليز".

ويُذكر أن تركيا  ما بين عامي 1919 و1921 كان تخوض حرب استقلالها ضد الدول المحتلة لها، وكان القائد لتلك الحرب هو مصطفى كمال أتاتورك الذي كان منفصل عن الدولة العثمانية التي كانت لا تزال قائمة في تلك الفترة ولكن تحت طائلة الاحتلال الإنجليزي الذي استطاع احتلال إسطنبول بتاريخ 16 آذار/ مارس 1920.

وخلال هذه الأعوام قام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس مجلس الشعب التركي الأعلى عام 1919، ومن الوثائق التي تبين بأنه بالفعل قام الاحتلال الإنجليزي بإعاقة الأسرى العثمانيين بشكل متعمد الوثيقة التي صدرت من مجلس الشعب التركي الأعلى بتاريخ 28 حزيران/ يونيو 1921 والتي تحتوي على توقيع مصطفى كمال أتاتورك، وحسب هذه الوثيقة "هناك أكثر من 20 ألف أسير عثماني وقعوا في أيدي الجيش البريطاني يعيشون في مخيمات أسر غير ملائمة للحياة الإنسانية وكما أن عدد هائل من هؤلاء الأسرى تعرضوا لعملية إعاقة متعمدة حيث تم إفقادهم البصر بشكل متعمد من قبل الأطباء الإنجليز ويجب على حكومة حرب الاستقلال التركية أخذ أسرع القرارات لوقف هذه الجرائم واسترداد الأسرى العثمانيين "الأتراك" من سطو أيدي الإنجليزي "الجبابرة".

وصدرت أيضًا بتاريخ 28 أيار/ مايو 1921 وثيقة أخرى عن مجلس الشعب التركي تبين أن "عملية استرداد عملية الأسرى الأتراك الموجودين في مصر مستمرة وتجري في مالطا"، وتقول هذه الوثيقة: "بعد استقبال عدد ملحوظ من الأسرى تبين أن هناك أكثر من 15 ألف أسير عثماني تم تعميتهم بشكل متعمد، حيث قام وضع أوجه هؤلاء الأسرى في أحواض مليئة بغاز "الكريزول" بدعوى تجهيزهم للتشخيص ولكن بعد يوم تبين بأن جميع الأسرى أصبحوا أعمياء لا يرون، وهذا إن دل فإنما يدل على بشاعة جرائم الجيش الإنجليزي، ونطالب باسم مجلس الشعب التركي الأعلى بمحاكمة هؤلاء الأطباء بأسرع وقت ممكن لما ارتكبوه من جرائم بحق أسرى الحرب العثمانيين".

وكما يُستمد من تقرير قيادة الأركان العسكرية للدولة العثمانية الذي تم إرساله للسلطان العثماني عام 1921 بأنه "بعد استلام كم هائل من الأسرى العثمانيين في مالطا وكان جُلهم عُمى، أرسل الإنجليز لنا في إزمير قافلة مكونة من 1780 جندي عثماني كان قابع في الأسر لديهم وتبين لنا بعد استقبال هذه القافلة بأن من بين المُرسلين 310 جندي أتوا عُميًا بشكل تام".

وكما نشرت جريد "أوغوت" العثمانية الصادرة في ذلك العهد بأن "هناك أكثر من 20 ألف جندي عثماني وقعوا في الأسر بعد حرب فلسطين ولكن هناك أكثر من 10 ألاف جندي عثماني أتوا من مصر إلى بلاد الأناضول وهم مُعميين بشكل متعمد، ولا يمكن أن تلعب الصدفة دورها في تعمية أكثر من 10 آلاف جندي عثماني في يوم واحد بل هو عملٌ مفتعل يجب محاسبة من قام به محاسبة شديدة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!