جلال سلمي - خاص ترك برس

اتضح النهج التوافقي للسياسيتين القطرية والتركية بشكل أكبر، بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، وتبني كلا الدولتين موقفًا داعمًا لهذه الثورات، وبعد حدوث الانقلاب العسكري، في مصر، أصبحت صورة المحور التركي القطري المُساند للثورات والرافض للانقلابات العسكرية والثورات المضادة واضحة وضوح الشمس في صحوها.

استمرت السياسية التوافقية المشتركة بين الدولتين في التطور والازدهار إلى أن وصلت ذروتها، في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2014، حيث تم توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين الطرفين وأرسلت تركيا، بناءًا على هذه الاتفاقية، عددًا من جنودها إلى قطر، بعد وصول العلاقات المشتركة بين الطرفين ذروتها توجهت الأنظار صوب ميلاد بُعد استراتيجي للعلاقات التركية القطرية، وتظهر أسباب ميلاد هذا البُعد وسماته من خلال بعض المواقف والسياسات التي توضح نوعية العلاقات المتبادلة بين الطرفين.

بعد تولي رجب طيب أردوغان لمهمته، كرئيس للجمهورية التركية، شملت جولاته الخارجية الأولى جمهورية شمال قبرص التركية وأذربيجان ومن ثم قطر،  تغيير الرئيس أردوغان لوجهته خلافًا للمعتاد بزيارته قطر، كزيارة أولية يقوم بها رئيس تركي عقب زيارة قبرص الشمالية وأذربيجان اللتان تتم زيارتهما من قبل رؤساء تركيا في أول زيارة خارجية بعد توليهم منصب الرئاسة للتأكيد على اتفاق المصالح المتين بين تركيا وبينهما، دفع الباحث التركي علي ديري أوز، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية "أورسام"، للقول، في دراسته الأكاديمية المُعنونة باسم "العلاقات التركية القطرية من منظور استراتيجي"، إن "هذه الزيارة غير المعتادة والخاصة فقط بقطر تُشير إلى حجم التوافق الاستراتيجي المتبادل والمتناسق بين الطرفين، حيث حسب العادة البروتوكولية العالمية؛ يقوم الرؤساء الجدد بزيارة الدول "الصديقة" في زياراتهم الخارجية الأولى".

ويرى ديري أوز أن "توافق المواقف القطرية التركية في قضية فلسطين والانقلاب المصري وسوريا وتوافق الطيف السياسي الناعم للطرفين من حيث تقديم المساعدات المادية والإنسانية لدعم خطط التنمية والنمو في الدول المنكوبة حول العالم، فتحا باب واسع للتقارب الثنائي بين الطرفين، حيث وجدت قطر بأن تركيا أقوى ذراع سياسي يمكن الارتكاز عليه في تحقيق ما ترنو إليه من أهداف ورؤى، لا سيما بعد استقلال سياستها عن دول مجلس التعاون الخليجي العربي، كما رأت قطر من تركيا يدًا قوية وحاسمة يمكن الاعتماد عليها في ردع بعض الأطراف المُهددة لأمنها واستقرارها، وعلى الصعيد الآخر؛ وجدت تركيا من قطر دولة ذات عزيمة قويمة يمكن الاعتماد عليها لتحقيق توافق تكتيكي واستراتيجي لحفظ المنطقة من الحروب الداخلية ودعم الثورات العادلة في تحقيق مطالبها العادلة".

وفي سياق متصل؛ يُشير ساركان داميرطاش، الصحفي السياسي في جريدة حرييت التركية، في مقال تقييمي له بعنوان "تفاصيل الاتفاقية العسكرية"، إلى أن "العلاقات التركية القطرية أُضيف لها الطابع الاستراتيجي بعد التوافق الملحوظ لمواقف كلا الطرفين غداة انطلاق ثورات الربيع العربي وحدوث بعض الانقلابات أو الثورات المضادة لها، وتُعتبر الحالة السياسة والاقتصادية الحالية، التي أضرت بكلا الطرفين، أحد المؤاشرات الهامة لاستمرار العلاقات الوثيقة بين الطرفين، وكدليل ملموس، لجعل صورة هذه العلاقات الاستراتيجية أكثر وضوحًا، الاتفاقية العسكرية المشتركة بين الطرفين التي تم توقيعها في العام الماضي".

ويتابع داميرطاش مبينًا أنه "إلى جانب توافق المواقف السياسية للطرفين في أكثر من نقطة، بعض المقومات الداخلية للطرفين أيضًا تلعب دورًا كبيرًا في إنعاش العلاقات المشتركة بينهم، بشكل استراتيجي طويل الأمد، من هذه المقومات؛ وجود النفط والغاز في قطر؛ بعد أزمتي القرم، في أوكرانيا، والموصل، في العراق، انخفض منسوب مخزوني الغاز الطبيعي والنفقط في تركيا، واضطرت تركيا، لتفادي هذا الانخفاض، إلى توسيع اتفاقياتها الاقتصادية مع روسيا، اتفاقيات روسيا كانت عن اضطرار وليس رغبة، وتسعى تركيا إلى تنويع مصادر غازها الطبيعي، لأنها تعتمد في تأمنيهما، بشكل أساسي، على روسيا وإيران، وتركيا تعاني خلافات سياسية حادة  مع الطرفين، لذا اتفاقها الاستراتيجي مع قطر سيعود عليها بالنفع الكبير من ناحية تخفيف التبعية الاقتصادية، في النفط والغاز، لروسيا وإيران، حاجة تركيا إلى شريك جاد وهام في قضية دعم المساعدات المادية والإنسانية التي تقدمها تركيا للمساهمة في تنمية المناطق المنكوبة حول العالم، تحقيق تعاون اقتصادي يحقق مردود اقتصادي مُجدي يعود بالنفع على الطرفين، بعد فوز قطر بإقامة دوري الفيفا 2022 على أراضيها أصبح لديها حاجة ماسة للأيدي العاملة وهذا مافتح فرصة هامة أمام عمال البناء الأتراك حيث وصلت عدد الشركات التركية، في قطر، إلى 60 شركة تركية".

أما من صعيد أهمية التعاون الاستراتيجي التركي القطري من ناحية قطر، رأى موقع العربي الجديد، في تقرير صحفي له بعنوان "العلاقات التركية القطرية: تقارب في السياسة والاقتصاد"، أن "قطر تحتاج إلى تركيا اقتصاديًا للحصول على تمديدات نقل الغاز والنفط إلى أوروبا بشكل أأمن مما هو عليه الآن، حيث تقوم قطر بنقل الغاز بواسطة عبارات بحرية تمر من مضيق هرمز، نقل الغاز القطري من خلال مضيق هرمز يتحف أمن الغاز والنفط بالكثير من المخاطر وعلى مقدمتها الخطر الإيراني".

الاتجاهات السياسية والاقتصادية المشتركة العديدة والمتنوعة تجعل العلاقات التركية القطرية تسير نحو بُعد استراتيجي مزدهر ومتميز بخواص نوعية ومتنوعة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!