إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

منطقة الشرق الأوسط تشهد تطورات ساخنة وتقف على عتبة مرحلة خطيرة. ويجب على حكومة داود أوغلو أن تولي لملفات السياسة الخارجية اهتماما كبيرا إلا أن هناك ملفات أخرى لا بد من استمرار التركيز عليها ومتابعتها عن كثب، نظرا لأهميتها البالغة في ضمان نجاح الحكومة وبرنامجها الذي عرضته على البرلمان لتنال ثقته. ومن تلك الملفات ملف مكافحة “الكيان الموازي” التي أُعلِن أنها ستكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة.

وسائل الإعلام التركية ذكرت أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان خلال لقائه بالرئيس الأمريكي باراك أوباما على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في ويلز جنوبي بريطانيا، بحث معه موضوع فتح الله كولن الذي يقيم منذ سنوات في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وطلب منه إعادة كولن إلى تركيا، مشددا على أن هذا الموضوع يخص الأمن القومي التركي. وفي حديثه للصحفيين أثناء عودته إلى أنقرة، قال أردوغان إن الرئيس الأمريكي وعد بالتعاون في مكافحة “الكيان الموازي” وتبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والتركية. وتأكيدا لما ذكره أردوغان، صرح وزير العدل بكير بوزداغ بأن الاستخبارات التركية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” ستعملان معا من أجل إعادة فتح الله كولن إلى تركيا.

هذه الخطوات تشير إلى أن أنقرة مصممة على إعادة كولن إلى تركيا وبذل كافة الجهود الدبلوماسية لمحاكمته في قضية “الكيان الموازي” بتهمة التآمر على الحكومة المنتخبة، ومحاولة الانقلاب والسيطرة على الدولة، والتجسس لصالح دول أجنبية، وكل ما ارتكب “الكيان الموازي” من الجرائم. وهذا يعني أن الرجل لن ينام بعد الآن في مزرعته الشهيرة بولاية بنسلفانيا مرتاح البال تحت حماية “سي آي إيه”، كما أن هناك تقارير تؤكد أن الجماعة بدأت في الآونة الأخيرة تبحث عن مكان آخر يمكن أن يلجأ إليه زعيمها دون أن يشعر فيه بالخوف من شبح الإعادة إلى تركيا.

فتح الله كولن الذي يقيم منذ سنوات في الولايات المتحدة حصل على “غرين كارد” بناء على تزكية الاستخبارات الأمريكية، وبالتحديد تزكية النائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي “غراهام فولر” الذي وصف فتح الله كولن في رسالته للمسؤولين الأمريكيين بأن كولن “رجل مفيد للولايات المتحدة”. وكثيرا ما يثني فولر في محاضراته على جماعة كولن وأنشطتها. ولكن هذه المظلة التي توفرها الاستخبارات الأمريكية لكولن وجماعته قد تُرفع في أي لحظة ليجد الرجل نفسه وحيدا في العراء بدون أي حماية.

عملية تفكيك خلايا “الكيان الموازي” تجري على قدم وساق، ولكنها تواجه بعض المشاكل والعوائق، لأن هذه العملية يجب أن تظل في إطار الدستور والقوانين. وبمعنى آخر، أنها لا بد من أن تتم عن طريق القضاء. وكون القضاء مخترقا من قبل “الكيان الموازي” يعقِّد الأمور ويعرقل جهود تطهير أجهزة الدولة من الخلايا النائمة. وعلى سبيل المثال، يفتح نائب عام تحقيقا مع منتمين لــ”الكيان الموازي” ثم يخرج المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين ويفتح تحقيقا مع النائب العام ذاك وكأنه يعاقبه على ما أقدم عليه.

وزير العدل التركي بكير بوزداغ أكَّد أن القضاء هو قضاء تركيا ولا يمكن السماح بتحويله إلى “قضاء كولن”، في إشارة إلى ضرورة تطهير القضاء من عناصر “الكيان الموازي”. وعملية تفكيك الخلايا تتركز حاليا في أجهزة الأمن إلا أنها لا بد من أن تتسع نحو أجهزة القضاء، لأن مكافحة “الكيان الموازي” لا يمكن أن تتم على الوجه المطلوب ما بقي القضاء مخترقا من قبل جماعة كولن.

كان فتح الله كولن يخطط بالأمس القريب للعودة إلى تركيا كــ”مهدي منتظر” ولكنه اليوم في وضع لا يحسد عليه، وبينما يرى من ناحية انهيار الإمبراطورية التي أقامها خلال أربعين سنة، يهدده من ناحية أخرى شبح الإعادة إلى تركيا كـ”متهم رقم واحد” في قضية منظمة إرهابية، ويشعر بقلق شديد على عاقبته. ولعل الأفضل له أن يتمكن من الهروب إلى دولة لا تسلِّمه إلى تركيا ليقضي فيها بقية حياته، لأنه في حال تسليمه إلى تركيا لن يجد في قابل الأيام قضاء تحت سيطرة رجاله.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس