محمود أوفور – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

هجمات أنقرة الإرهابية التي حرقت أفئدتنا جميعنا ليست مسؤولية المنفذين الفعليين للهجوم فقط وإنما هي مسؤولية الأطراف التي لا ترغب بأنهاء الحرب الداخلية السورية ومسؤولية القوى المناطقية والعالمية المتناحرة والتي لم تقدم حتى اللحظة حل حقيقي للأزمة.

وعلى وجه الخصوص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية اللذان وفي سبيل تحقيق مصالح ومنافع ذاتية تركا المجال متاحا أمام التراجيديا والمأساة التي تعيشها سوريا والمنطقة. وأذكر أني في الأيام الماضية كنت قد كتبت أن "مارك بي لوجان" رئيس "بيت الحرية" سلط الضوء على المسؤولين الحقيقيين عن أزمة الشرق الأوسط الحالية إذ قال "إن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومن خلال سكوتهما على مجازر الأسد  لم يتصرفا كما ينبغي على الدول الريادية أن تتصرف ولم يتحملا مسؤوليتهما كقادة... وما ظهور داعش وولادتها إلا نتيجة حتمية لهذا الضعف والسكوت... ولم تدعما المعارضة المعتدلة الجانحة للسلام، كان بالإمكان استهداف طائرات الأسد الحربية ومنعها من الاستمرار في عمليات القصف".

فهذه الأطراف وعلى رأسها الولايات المتحدة لم تقم بأي مما ذكره مارك لوجان، على العكس من ذلك لم تتوانى هذه الأطراف عن ممارسة الضغوط على تركيا. فالتنظيم والتخطيط لعملية إرهابية في قلب أنقرة يدل على مستوى يفوق أهداف الحزب المستهدِف وقدراته وعلى وجود أيدي خارجية في العمل الغاشم. الهدف من هذه العملية ليس فقط جر تركيا إلى عملية عسكرية برية فقط وإنما هو شوط من لعبة أكبر وأهم  وجزء من مشروع "فرق تسد". ولهذا السبب فإن هذا العمل الإرهابي يستند على نقطة الانكسار والضعف بالنسبة لتركيا، إذ أن هذه الأطراف تعمل جهارا نهارا على جر العمليات العسكرية إلى قلب تركيا مستغلة أضعف نقطة في الجسد التركي ألا وهي مسألة الاختلاف العرقي.

كما كان قد صرح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان فإن هذا العدوان الإرهابي يمثل نقطة نهاية  بالنسبة لتركيا التي يجب عليها أن تغير وجهة نظرها للأمور، ويجب عليها كذلك أن تبحث عن نقطة ضعف هذه الأطراف وتتخذ منها هدفا لها، فتركيا اليوم ليست ذات العثمانيين قبل 100 عام إذ أن تركيا اليوم هي تاريخ أليم تم تجرعه طوال الفترة السابقة وهي كذلك مجتمع من الأتراك – الأكراد – العلويين – والسنة الذين استخلصوا الحكم والعبر من هذا التاريخ الأليم.

 

الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتظاهر بعدم اهتمامها بالمنطقة وما يجري فيها من أحداث يجب أن تعطي تفسيرا واضحا لوضع يدها بيد أعداء تركيا في هذه الفترة الحرجة، إذ أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لا علاقة له من قريب أو بعيد بمطالب الأكراد، وإنما هي محاولات لاستغلال الأكراد للضغط على تركيا. كنت قد كتب سابقا وأعيده الآن مرة أخرى: يجب على تركيا أن تعيد النظر بخططها الاستراتيجية وعلاقاتها وشراكاتها مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي على حسد سواء. أما نقطة ضعف الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والمتمثلة في استخدام قاعدة إنجيرليك الجوية فيجب إعادة استغلالها من جديد للضغظ على واشنطن.

في هذا الخصوص ملاحظة السيد شرف مالكوتش كبير مستشاري الرئاسة التي قال فيها "نحن نملك العلاج المناسب والدواء السحري للأطراف التي كان من المفترض فيها ان تكون أصدقاء لتركيا وتصرفت كالأعداء وسنتخذ التدابير اللازمة معها، الأمر ليس مقتصرا على الولايات المتحدة الأمريكية فحسب إذ أن هذه التدبيرات سنتخذها ضد كل الأطراف التي تظهر العداء للدولة التركية. ولهذا السبب علينا أن نحكم قبضتنا على الحدود وعلى قاعدة إنجيرليك الجوية. فالإمكانات التركية واسعة جدا. الولايات المتحدة تقف في صف روسيا في المسألة السورية وكلاهما تتصرفان ضد مصالح تركيا، هل عند الأمريكان تبرير وتوضيح لذلك؟ ستحمر وجوههم وتسود فقط "تظهر لنا وعي وتنبه الحكومة التركية إلى أهمية استغلال هذه النقطة وتلك الإمكانيات".

 

أقوال السيد مالكوتش بخصوص أهداف القوى العالمية ومساعيها في أزمة سوريا والمنطقة هي كذلك مثيرة للدهشة إذ قال: "في البداية تم تقسيم الدولة العثمانية وبعثرتها، ثم تم تقسيم الدولة العربية وإثارة الفتن بين بعضها البعض والآن يعملون على تقسيم الأكراد والإيقاع بهم في حبال الفتنة، لن تسطيع هذه الأطراف تحقيق أمانيها وأحلامها ما دامت تركيا على وجه البسيطة. لتتفق الولايات المتحدة وروسيا بقدر ما يرغبان فمهما كان حجم التفاهمات بينهما لن يمكث كلاهما طويلا في المنطقة".

الكل يعلم أنه وفي السنوات الأخيرة تعرضت تركيا لمضايقات وضغوطات جمة من الولايات المتحدة الإمريكية. إبان الحرب الباردة التي مثلت أكثر الفترات صعوبة، كانت تركيا تقف في وجه الآمال والتوجيهات الأمريكية، وجواب عصمت باشا ردا على مكتوب جونسون الشهير ما زال محفورا بذاكرتنا  إذ قال: "عالم جديد يتم إنشاؤه وتركيا لا بد أن تأخذ مكانها فيه".

في تاريخنا القريب العديد من الأزمات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. إذا أعدنا النظر فيها نجد أن دور الولايات المتحدة في المنطقة أصبح أكثر صعوبة فعلى الرغم من كل الضغوطات والمضايقات الأمريكية إلا أن اليد التركية أضحت أكثر قوة وحزمًا.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس