محمود عثمان - خاص ترك برس

أخبرني صديقي الذي سكن واستوطن في إحدى الدول الأوروبية منذ عقود، أنه تقدم بطلب رسمي للجهات الأمنية في بلده كي يمنعوا أخاه الشاب المتحمس من السفر إلى الخارج، لأنه شك في تواصله مع الإرهابيين، ويخشى عليه من الوقوع فريسة لدعاية التنظيمات الإرهابية، فيسافر إلى سورية ويلتحق بالتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش أو ما سواه. لكن المسؤول الأمني أخبره بأن القانون لا يسمح له بذلك، فقال له صاحبي: لكنكم تراقبونه وتعلمون ما يفعل، فأجابه ببرودة أعصاب: "نعم نراقبه، لكننا لا نمنعه من السفر"!.

صديق آخر في بلد أوروبي آخر روى لي قصة تكاد تتطابق مع القصة الأولى وأقسم قائلا: "لدي يقين بأن أجهزة الأمن الأوروبية تريد الخلاص من الشباب الأوروبي من أصول عربية، بزجهم في أتون الحرب في سورية وغيرها من الجبهات، وسرد لي موقفًا مشابهًا لما حصل مع صديقي الأول، وزاد عليه بأن رجل الأمن في بلده أخبره قائلا "ليس مؤكدًا ذهاب جميع الشباب لتنظيم داعش، حيث هناك تنظيمات أخرى، ونحن لا مانع لدينا من ذهابهم للقتال بجانب الأحزاب الكردية لأننا ندعمها ونؤيدها"!.

الأمين العام لمجلس صيانة الدستور الإيراني أحمد جنّتي، ووفقا لوكالة فارس يصرح خلال حفل تأبين 46 عسكريًا إيرانيًا قتلوا في سورية الأسبوع الماضي، ناقلًا عن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيراني علي خامنئي قوله "إن إيران تقاتل الكفار في سورية وإن جنودنا يطلبون الإذن للقتال في جبهة الإسلام ضد الكفر في سورية"!. ويتابع جنتي القول: "كنت أتصور أن لا نعلن عن هذه التصريحات التي أطلقها المرشد بشكل علني، لكنه أكد بنفسه فيما بعد على أننا لو لم نقاتل في سورية، لاضطررنا لقتال العدو في داخل البلد كمحافظة كرمنشاه والمحافظات الحدودية الأخرى". ثم أكد جنتي على أن المرشد الإيراني وصف القتال في سورية بأنه "حرب جبهة الإسلام ضد الكفر"، وقال "إن باب الشهادة الذي أغلق بانتهاء الحرب الإيرانية العراقية، فُتح مجددًا في سورية"!.

لو افترضنا أن الشيخ يوسف القرضاوي، أو عالما من علماء السعودية أو علماء الأزهر، أو غيرهم من علماء أهل السنة، وصف الميليشيات التي تذبح السوريين والعراقيين ذبح الشياه، ومن أرسلهم بالكفار، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولنال على الفور صفة "تكفيري"، ولملئت صحف الغرب والشرق بالأخبار والمقالات التي تستنكر جريمة التكفير، أما عندما يتعلق الأمر بإيران والإيرانيين "فلا من رأى ولا من سمع"!.

الحكومة العراقية الجنسية الإيرانية الهوى والمشرب , تصرح بأن أكثر من نصف مليون إيراني دخلوا العراق بطريقة غير نظامية، لكن لا أحد يحتج أو يحرك ساكنًا، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد، وتتحرك الجامعة العربية، وتتقدم الشكاوى لمجلس الأمن من أجل 150 جنديًا تركيًا يؤدون مهمة حماية مؤسسة رسمية عراقية ضد هجمات تنظيم داعش الإرهابي، وبموجب اتفاق رسمي بين البلدين!.

ما يربو على عشرين مليشيا، ومنظمة، وجنود مرتزقة، على رأسها الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، وعصائب أهل الحق، ولواء فاطميون، ولواء أبو الفضل العباس، وغيرهم... جلبتها إيران من باكستان وأفغانستان، وكوريا والعراق ولبنان في وضح النهار، "ولا من رأى ولا من سمع"!.

لكن الجيوش تستنفر، والتحالفات الدولية تتشكل من أجل محاربة تنظيم داعش السني!. بالرغم من إجماع أهل السنة واتفاقهم على تجريم هذا التنظيم الإرهابي، ومشاركتهم في الحرب عليه، لكنهم رغم ذلك كله لا يزالون يحمَلون وزره!.

إبان تشكيل ما سمي بـ"التحالف الدولي ضد داعش"، طلب الأمريكان تشكيل قوة عسكرية برية سنية تحارب داعش كيلا تقوم فتنة طائفية بزعمهم. لكن عندما قامت السعودية وتركيا ومعهما أكثر من عشرين دولة أخرى بتشكيل "قوة عسكرية إسلامية" تتدخل بريًا للقضاء على تنظيم داعش وتخليص البلاد والعباد من شروره. نكص الأمريكان وتراجعوا دون تقديم حجة مقنعة، وهم تراجعوا من قبل عن وعودهم بدعم تركيا في إقامة منطقة آمنة تؤوي النازحين السوريين!.

تنظيم داعش يكفر السوريين ويقتلهم، والروسي يكفر السوريين – يخوض حربا مقدسة كما جاء على لسان القساوسة - ويقتلهم، والإيراني يكفر السوريين ويقتلهم. "ولا من رأى ولا من سمع"!.

نعيش حقبة من موت للضمير الإنساني، وضمور للوجدان البشري، وازدواجية في المعايير، وكيل بمكيالين، ونفاق دولي غير مسبوق، تطيش معه أفئدة الكبار العقلاء، ويعجز ذوو الأحلام والنهى عن استيعابه وفهمه، بله قبوله وهضمه، فكيف بمن تغلي الدماء في أدمغتهم من الشباب؟!.

ثمة من يريد من جيل الشباب العربي حمل البندقية بدل القلم، والرشاش عوضا عن الكتاب، والسلاح مكان الكمبيوتر، ثمة من يدفعهم للجبهات بدل الجامعات والمصانع والمزارع. ثمة من يحثهم على الهدم والتدمير بدل البناء والتعمير. ثمة من يحرضهم على التطرف والإرهاب والانتحار الجماعي.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس