محمد زاهد جول - أورينت

تتوالى التفجيرات الإرهابية في تركيا منذ حزيران 2015، فانتخابات السابع من حزيران كانت المرة الأولى الذي ظن الطامعون بمجيء فرصتهم للانتقام من المشروع التركي المعاصر الذي مثله حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة السياسية عام 2002، وقد تعاقبت على تركيا والمنطقة احداث أخرى كان يمكن ان تغلق باب الطمع بالمشروع التركي النهضوي والاستقلالي، ومنها انتخابات الأول من نوفمبر 2015، حيث اتخذ الشعب التركي قرار تصويب أخطاء السابع من حزيران بعدما أدرك أنه تم خداعه بدعايات ما قبل 7حزيران، والتي كانت تقول بأن مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي في الحياة السياسية البرلمانية والتنفيذية سوف يساهم في حل المشاكل الداخلية لتركيا، بينما كانت النتائج عسكية، فكان لدخول حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان وعدم تمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة في ذلك الوقت آثار سلبية على الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولكن معالجته السريعة من الشعب التركي في انتخابات الأول من نوفمبر وعودة حزب العدالة والتنمية لقيادة الحياة السياسية كانت لا ترضي أولئك الطامعين، والذين خيب الشعب التركي ظنونهم، وابطل مشاريعهم، ولكنهم للأسف لم يرتدعوا عن الاعتداء على الشعب التركي وامنه واستقراره، لظنهم ان اعداء تركيا في الخارج والداخل لا يزالون يساندونهم في الاعتداء على تركيا، وهم يوهمونهم أنهم يضعفون حكومة العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية أردوغان، بينما هم في الحقيقة يؤدون إلى إضعاف تركيا وليس حزبا ولا حكومة فقط.
إن توالي التفجيرات يعني أن المخططين لا يزالون يأملون ان يحققوا أهدافهم، وإن اختلفت الأيدي التي تقوم بهذه العمليات الإرهابية، فالحكومة التركية اتهمت بتفجيرات 13/3/2016 حزب العمال الكردستاني، واتهمت بتفجيرات شباط الماضي حزب وحدات حماية الشعب، واتهمت بتفجيرات 15/11/2015 والتي قتل فيها أكثر من مائة مواطن تنظيم داعش الارهابي، وخلال هذه التفجيرات قام حزب جبهة التحرير اليساري بعملية إرهابية أيضاً، فضلاً عن عمليات اخرى اتهم فيها نفس هذا التنظيم أيضاً، أي ان الأيدي الارهابية متعددة، ولكن المخططون هم مجموعة واحدة، ولها هدف واحد هو النيل من قوة تركيا، ومتانة وحدتها الوطنية، وزعزعة الاستقرار السياسي بهدف عرقلة مسار التقدم الاقتصادي وبلوغ تركيا مستوى الدول العشر الأولى في العالم عام 2023، بحسب الخطط والبرامج التي وضعها حزب العدالة والتنمية في خطته الأخيرة.

إن المؤسف في كل هذه التفجيرات الإرهابية بعد الحسرة على الأرواح البريئة التي تقتل الناس الأبرياء وهم في المواصلات العامة او وهم يتزهون في الشوراع مع نسائهم وأطفالهم، فتقتل بعضهم وتجرح آخرين، وترمل نساء وتيتم اطفال وتثكل آباء وامهات دون ذنب منهم، كل ذلك مؤسف ومؤلم، ولكن المؤلم أكثر ان ذلك المخطط في التفجيرات الارهابية لن يؤدي إلى نجاح أعداء تركيا في تحقيق اهدافهم، بل هي اعمال إرهابية انتقامية لا جدوى منها، وقد جربها حزب العمال الكردستاني طوال ثلاثة عقود في الماضي دون ان تحقق له شيئا، بل جعلت الشعب التركي كله بما فيهم الأكراد إلى جانب الحكومات التركية، لا خوفاً وإنما لعدم ثقتهم بالإرهاب والقتل والتفجير طريقا لتحقيق الأهداف المشروعة لكل الشعب التركي وليس للأكراد فقط، وقد دخلت قيادة حزب العمال الكردستاني في آخر المرحلة السابقة والتي بدأت عام 1985 في عملية السلام الداخلي منذ عام 2005، بفضل الشجاعة التي تحلى بها رئيس الوزراء التركي أردوغان في ذلك الوقت، مع الزعيم عبدالله اوجلان، فقد وافق الزعيمان على الشروع بعملية سلام داخلي، أثبت فيها أوجلان من خلال رسائله إلى الشعب التركي والكردي أنه يفكر بطريقة جديدة واستراتيجية جديدة وأهداف جديدة، في بناء تركيا الجديدة لكل قوميات الشعب التركي، على نفس الأسس التي انطلق بها حزب العدالة والتنمية في بناء تركيا الحديثة والديمقراطية والتي يتساوى فيها كل أبناء الشعب التركي في الحقوق والواجبات، على أساس دستور مدون وموافق عليه من كل ممثلي الشعب التركي الذين يؤمنون بوحدة الأراضي التركية والدولة التركية الواحدة، وقد تم على أساس هذه الرؤية وضع خطط الاتفاق المبدئي أذار عام 2013 بوقف العمليات المسلحة وتسليم المقاتلين الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني اسلحتهم والتخلي عنها، وأن يمنح غير الراغبين بالتخلي عن السلاح فرصة الرحيل إلى جبال قنديل حيث كانت مستقرهم الأصلي قبل أن يأتوا منها لتنفيذ أعمال عسكرية، وتم تنفيذ هذا الاتفاق من قبل الحكومة التركية، بينما تظاهر حزب العمال الكردستاني التزام الاتفاق الذي وافق عليه عبدالله اوجلان، وعلى أساس نفس الاتفاق تم تشريع قوانين تتيح للأكراد ان يشكلوا حزباً سياسياً يعبر أن مواقفهم ومطالبهم في المصالحة الداخلية، وان يكون ممثلا في البرلمان التركي، وهو ما حصل بتأسيس حزب الشعوب الديمقراطي، ولكن الحزب لم يكن حرا في تمثيل الأكراد في تركيا وإنما بتمثيل قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنيدل وزعامة قنديل أيضاً جميل بايك، الذي يخالف رؤية عبدالله اوجلان في المصالحة الداخلية في تركيا اولاً، ورهن أو وجد نفسه مرهونا للنفوذ الإيراني في جبال قنديل، حيث يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، الذي يعتبر جبال قنديل العراقية جزءا من الامبراطورية الايرانية.

هذه الضغوط التي خضع لها حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل ما كان له ان ينتقل إلى حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، ولكنه للأسف وبالنظر إلى نتائج 7حزيران اصطف صلاح الدين ديمرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي إلى جانب الأحزاب التركية المعارضة والمشاريع الخارجية القادمة من جبال قنديل وبعضها قادم من اوروبا وأخرى من بانسلفانيا الأمريكية حيث يقيم زعيم الكيان الموازي فتح الله جولن، اجتمعوا على هدف واحد وهو زعزعة الاستقرار الأمني في تركيا بهدف إرهاق عمل الحكومة والرئاسة وإثبات أنها لا تستطيع ضبط الأمن الداخلي ولا قيادة المجتمع التركي بعد الآن، وبالتالي الضغط على الشعب التركي حتى يطالب بتغيير الحكومة وإخراج حزب العدالة والتنمية من قيادة تركيا.

هذا الهدف بتغيير الحكومة أو الرئاسة التركية طالب به سفير أمريكا السابق في أنقرة بكل صلف ووقاحة، عندما طالبها بالاستقالة، ولكن الشعب التركي لن يسمح ان يتم ذلك إلا بالطرق الديمقراطية والانتخابات الشعبية الحرة والنزيهة، وإلا فإن الشعب التركي أو ما يمثله حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية من ثقل شعبي سيمارس حقه في السلطة التنفيذية والتشريعية في قمع الارهاب ومحاربة الارهابيين وحماية المجتمع والدولة التركية من أي اعتداء مهما كان مصدره، فإذا كان حزب العمال الكردستاني او غيره من خطط ونفذ التفجيرات الأخيرة فهو يؤكد على مساره الإرهابي الذي يقوده قادة الحزب من جبال قنديل، وفي هذه الحالة فإن على الشعب التركي كله وفي مقدمته الأخوة الكرد في تركيا الدفاع عن وطنهم وامنهم ومجتمع ودولتهم، بوصفهم مواطنين أتراك كاملي الحقوق والوجبات، فلا شيء يحرمون منه حتى الترشح لرئاسة الجمهورية، فلا حجة للأحزاب الإرهابية أن تدعي تمثيل الشعب الكردي او انها تطالب بحقوقه السياسية، فالشعب الكردي في تركيا لا يطالب بالانفصال أولاً، ولا يطالب بالحكم الذاتي ثانياً، ولا يوافق على معاملته كأقلية عرقية أو قومية وهو يتمتع بكامل الحقوق والواجبات السياسية وغيرها.

واما إذا كان وراء هذه التفجيرات أحزاباً ارهابية من سوريا أو غيرها، سواء كانت داعش أو حزب الاتحاد الديمقراطي او ذراعه العسكري قوات حماية الشعب، فهذا سوف يزيد الشعب التركي تأييداً لحكومته المنتخبة ديمقراطيا، وسوف يزيد مطالبته لها بضرب الارهابيين في معاقلهم حيثما وجدوا، وسوف يكون أشر الارهابيين من يوظف نفسه أداة بيد الأحزاب او الدول التي تمارس الارهاب ضد تركيا، سواء بدواعي الانتقام من تركيا على مواقفها الداخلية، أو على سياستها الخارجية المؤيدة للشعب الفلسطيني والسوري واليمني والمصري وغيرها، فالحكومة في هذه المواقف هي ممثلة للإرادة الشعبية التركية، ومن يرى خطأ هذه السياسة الخارجية فعليه إقناع الشعب التركي بانتخابه وتنفيذ سياسة أخرى بعد وصوله للسلطة التنفيذية ديمقراطياً، وإلا فإن أعماله المخالفة للقانون هي إرهاب، وإن أقواله التي تحرض على الارهاب هي إرهاب أيضاً.

إن تركيا ومع تزايد عمليات الارهاب في الأشهر الماضية تدرك انها تدفع ثمن فاتورة مواقفها السياسية الشجاعة في مناصرة قضايا الشعوب المظلومة في المنطقة والعالم، وتدرك ان الأيدي الدولية الحاقدة على تركيا والحاسدة لنجاحها تعمل ليل نهار للنيل من تركيا، ولكنها لن تنجح في ذلك، فكل ما تقوم به انها تجد نفوساً مريضة أو رخيصة أو مخدوعة تنفيذ لها مخططاتها الارهابية، ولكنها لن تستطيع اكثر من ذلك الغدر الذي يستهدف المواطنين الأبرياء، ولا بد ان وعي الشعب التركي سيتمكن في القريب من إحباط هذه المخططات الارهابية، فلا هدف لها إلا الارهاب والتخريب، وما هذه التفجيرات الارهابية إلا دليل فشل كبير في مواجهة الشعب مباشرة في الانتخابات، ودليل فشل كبير في مواجهة الدولة في معركة تبني القضايا الشعبية وتحقيق مطالبهم وحقوقهم بالطرق الديمقراطية.
 

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس