جلال سلمي - خاص ترك برس

يتناقل مؤرخون وخبراء سياسيون أطروحة تاريخية تنص على أن مؤسسي الجمهورية التركية وخاصة القائد العسكري لحرب التحرير "مصطفى كمال أتاتورك" وعد المواطنين الأكراد بمنحهم الاستقلال الذاتي إذا وقفوا بجانبه في حرب التحرير ضد الدول المحتلة للأناضول.

وللاطلاع أكثر على حقيقة وواقعية هذا الادعاء، نتناول الدراسة الأكاديمية للمؤرخ "أوزهان أيجان" تحت عنوان "هل حصل الأكراد على وعد للاستقلال الذاتي" المنشورة في مجلة "دارين تاريخ" (التاريخ العميق)، حيث يوضح أيجان أن دول التحالف اشترطت على الدولة العثمانية في اتفاقية "موندروس" المُوقعة بتاريخ 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1918، أي عقب انهزام الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أن تقوم بإعطاء الاستقلال الذاتي للأقليات بناءً على العرق واللغة والدين، مبينًا أن الدولة العثمانية أُرغمت على قبول هذه الاتفاقية لأنه لم يكن لديها خيار آخر، فقد دفع ضعفُها سلاطينَها لقبول أي اتفاقية تُمليها الدول المنتصرة عليها.

ولكن على صعيد آخر، يؤكّد المؤرخ أن مؤسسي الجمهورية التركية الذين غرسوا بذرة حرب التحرير في مدينة "سامسون" في أيار/ مايو عام 1919، وأعلنوا بداية حرب التحرير في مؤتمر أرضروم، 23 تموز/ يوليو ـ 7 آب/ أغسطس 1919، ومن ثم أعلنوا الميثاق الوطني الذي يشمل المدن التي ستشكل وطنا مشتركا حاضنا لأخوة الدين والأرض، بمعزل عن اتفاقية "موندروس" التي تهدف إلى تقسيم بلاد الأناضول لدويلات متناثرة هنا وهناك.

خريطة تركيا حسب الميثاق الوطني

تظهر خريطة تركيا الحالية عدم تمكن مؤسسي الجمهورية من تحقيق ما جاء في الميثاق الوطني بشكل كامل. ويرى أيجن أن مؤتمري أماسيا، 22 حزيران/ يونيو 1919، وأرضروم شددا على الأخوة التي تربط بين أهالي بلاد الأناضول، وخاص الأتراك والأكراد، وأكّدا على أن تقسيم تركيا على أساس عرقي لن يخدم المصلحة العامة إطلاقًا.

ويضيف أيجن أنه عقب احتدام حرب التحرير رأى القائد العسكري لها "مصطفى كمال باشا" أن من الضروري رفع مستوى قبول المواطنين الأكراد له ووقوفهم بجانبه، فأصدر في 27 يونيو 1920، قرارا ينص على الآتي:

ـ منح المواطنين الأكراد استقلالا ذاتيا تدريجيا عقب انتهاء حرب التحرير.

ـ تماشيًا مع ما تنص عليه الأعراف الدولية من حق الشعوب في تقرير مصيرها، يحصل الأكراد على استقلالهم الذاتي ولكن مع استمرار تبعيتهم لقرارات البرلمان التركي.

ويُشير أيجن إلى أن مصطفى كمال أتاتورك أراد من خلال هذا القرار ردع المواطنين الأكراد عن توقيع أي اتفاقية يمكن أن تعرضها عليهم الدول المُحتلة، لذا يظهر وبوضوح أن يسبق الدول الأجنبية في لعب استقطاب المواطنين الأكراد إلى جانبه، منوهًا إلى أن معظم الأكراد كانوا يقاتلون وببسالة على كافة جبهات حرب التحرير، ولم يكن بحسبانهم الحصول على استقلال ذاتي بعد الحرب، لأنهم منذ تأسيس الدولة السلجوقية وحتى انتهاء حرب التحرير كانوا الأوائل في الدفاع عن بلاد الأناضول، وأتاتورك كان على علم بذلك، ولكنه انتهج نهج الوقاية خير من العلاج، لحماية المواطنين الأكراد من السقوط في فخ المغريات التي تقدمها الدول الغربية.

ووفق أيجن، فإن الدستور الذي صدر بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 1923 من قبل البرلمان التركي، نص على الاستقلال الذاتي في بعض الأقاليم، ولكن دستور عام 1924 لم يشمل ذلك، وهذا يدل على أن أتاتورك كان يعلم مدى إخلاص الشعب الكردي لبلاد الأناضول، ولكنه خشي أن يرفض بضعة منهم القتال بجانبه، لذا أصدر قراره خلال حرب التحرير.

وكتحليل شخصي، يرى أيجن أن القرار سياسي تكتيكي بحت أراد من خلاله مصطفى كمال أتاتورك المحافظة على وحدة بلاد الأناضول وشعبها، وعدم تضمينه في دستور 1924، الدستور الأول الذي صدر عقب تأسيس الجمهورية التركية، وهو ينم عن الهدف الاستراتيجي للمؤسسي الجمهورية التركية وهو المحافظة عليها وحدة واحدة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!